نصب الشراع إزعاجه، والهموم على الجوانح جَوَانح، والجوارح لتلك الأحوال جوارح، وكأنَّما جَمْعُ الخاطر بالشتات تلقّب، والقلب في لهيب الوحل يتقلب.
وقلما أبصرت عيناك من رجل ... إلا ومعناه إن فكرتَ في لقبه
ولما غربت الشمس أرسينا على ساحل الإسكندرية، والمزاج متكدر لتلك الأهوال والأحوال الرديّة، فبتنا تلك الليلة على ذلك الساحل، إلى أن أصبحنا والضباب يمنع من رؤية تلك المنازل:
وطال عليّ الليل حتى كأنَّه ... من الطولِ موصول به الدهر أجمع
فلما أضحى النهار، نزلنا بساحة تلك الديار، فأقمت بها لا أملك فتيلا ولا أهتدي سبيلا، وأنا أطوف بجوانبها فلا أرى إلا غِمار مغاربها، فرحت أجوس خلالها وأتفيّأ ظلالها، وقد أولتني مزيد الجفا وغلّقت أبواب الصفا.
وقد بَخُلَتْ عليّ بكل شيءٍ ... من المعروفِ حتى بالسلام
وما ألطف قول من قال:
سلامٌ على مصر ويا قلب إنني ... لقد كنت عن إسكندريةَ في شُغْلِ
وما شاقني يا مصر ثَغْر ملثّم ... سوى من غزالٍ فيك أعدمني عقلي
ولقد كنت أسمع من أولي التجاريب، أن السفر مرآة الأعاجيب، حتى رأيت الزمان
بأسره عجائب، ولم يبق لي في الغرائب من رغائب:
من الغرائب فيما شاهدتْ مُقَلي ... أن الرغائبَ عنها الناسُ قد رغِبوا
وما زلت في الإسكندرية بلا نديم ولا صديق حميم، مقيماً على الوحشة والأسى، متفكراً في حكم الباري صباحاً ومسا، لا أجد بها من ذوي الكمال جليسا، ولا ألتقي ممن تحلّى بمحاسن الجمال أنيسا: