فلا صديق إليه مشتكى حزني ... ولا أنيس إليه منتهى جذلي
فكنت أعتكف تارة لمنادمة الوسواس، وتارة أبرز فيما بين الناس، فلا أجد على الساحل غير النصارى واليهود، ولا أبصر غير الهمج والأتراك الوفود، فأعود إلى تلك الخلوة واستعيد أسباب السلوة.
والبقّ والناموسُ حوليَ عسكر ... يتنادمون على مدام دمائي
فلم أزل كذلك مدة مديده، وعدة من الأيام عديدة، وحيد المقام شديد الأوام، أتجرع كؤوس النوى وأشتاق العقيق واللوى، وقد تكامل الشوق وتضاعف وتواصل الشغف وترادف.
أبكي إذا ذكر العقيق بمثلهِ ... لعهود جيرته وحُسن المعهدِ
فسقى الحيا تلك البقاع فتربُها ... لجلاءِ عين القلب مثل الإِثمد
وغيره:
وقال لي البين لمّا رأى ... لديّ الخطوب وعندي العويل
ترفّق بدمعك لا تُفنه ... فبين يديك بكاء طويل
فكنت كثيراً ما أتسلى بالجامع المختوم، وأعلل النفس بالسلامة من هذا الأمر المحتوم، وأقول إن الصروف تتصرف وتنصرف وتكف ثم تنكفّ وتنحرف.
والدهر لا شك ذو ضيق وذو سعةٍ ... ولو أردتَ دوام الهمِّ لم يدم
فأنا في تلك الأيام، أتحاشى تداني الأنام، فأتمشى بين تلك الأشجار، وأتسلى بتغريد
هاتيك الأطيار:
وربّ حمامة في الدوح صارت ... تُجيد النوح فناً بعد فنِ
أقاسمها الهوى مهما اجتمعنا ... فمنها النوح والعَبَرات مني