ولقد كنت أسمع بمحاسنه التي سارت بها الركبان، وشمائله التي تعطر بها شميم البان:
حتى إلتقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسنَ مما قد رأى بصري
وبالجملة فإنه المولى الذي حاز من الفضل منبع صفاته، وكأنَّه المعنيّ بقول القائل في بديع أبياته:
لو كفرَ العالمون نعمتَهُ ... لما عَدَتْ نفسُه سجاياها
كالشمس لا تبتغي بما صنعتْ ... منزلةً عندهم ولا جاها
أو هو كما قال:
ولقد سألت الناس عن أخلاقهِ ... وكمالهِ وعُلا نباهة قدرهِ
فوجدتهم صنفين فيه فقاصرٌ ... عن مدحه ومُقصِّرٌ عن شكرهِ
فلله جماله الذي به قد تفرّد، وكماله الذي إنفرد وتوحد، فلقد رأيت منه الأحنف وأبا حنيفة، وما عسى أن أودعه هذه الصحيفة؟
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت ... لدى الفضلِ حتى عُدَّ ألفٌ بواحدِ
وقال:
وإني وإن أعطيتُ في القول بسطةً ... وطاوعني فيه الكلام المُحَبَّرُ
لأعلمُ أني في الثناء مُقصِّرٌ ... وأنَّ الذي قد نال أوفى وأوفرُ
ولكنني ما دمتُ حياً لَشَاكر ... وبشكره بعدي كتابي المسطَّرُ
وقال:
فيا كتابي إذا ما جئت منزله ... وزرتَ ذاك المقام المرتضى الحنفي
فحيّه وانتشق من عرفهِ أرجاً ... واشرح لديه اشتياقي في نحوه وِصفِ
ورأيت في مجلسه الشريف من الأفاضل والأعيان ما ذكرت به قول أبي الطيب:
مَنْ مخبر الأكوان أني في الورى ... لاقيت أرسطاليس والإسكندرا
ورأيت كلّ الفاضلين كأنَّما ... ردّ الإله زمانهم والأعصرا
وكنت استأذنت في الدخول على حضرة المولى المأمول بهذين البيتين:
أيها الماجدُ المعظمُ يحيى ... بك يحيا بيت الحيا والمعالي
إن عبداً بالباب يطلب إذناً ... لينال المُنى برؤيا الموالي