للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأقمت لا منقول في المنقول، ولا معوّل في المعقول، وأنا أفصح عني ولكني أكسي:

وصرت أذل من معنى دقيقٍ ... به فقر إلى فهم جليلِ

هذا والحديث ذوشجون وما أتلوه من الأقوال، نوع من ضرب الأعمال، وما يعقلها

إلا العالمون:

إن الليالي والأيام لو سُئلت ... عن عيبِ أنفسها لم تكتم الخبرا

فكنت أخالطهم مخالطة مسالمة، وأجالسهم مباسمه، لعلمي أن من لزم اليأس من الناس، فقد سلم من البأس، وأن الإجمال في الطلب والإنتقال عن مظان العطب، يؤمان إلى النجاح ويؤمنان من الافتضاح.

مجاملة الإنسان تكسب عيشه ... صفاء تحبوه الجميل من الذكرِ

على أن صبري للذي قد لقيته ... وأردافه بالعذر قبض على الجمرِ

وقد تحجب أهل الكرم في الأبنية، فلم أر من السعودات إلا سعد الأخبية، ولعمر الله إنهم معذورون في ذلك، فلقد رأيت فيما هنالك من الطوائف القدسيين والشاميين، وغيرهم ذوي عمائم كالأبراج، وأكمام كالأخراج، وقد لزموا تلك الأبواب لزوم الكاتبين، وصار أحدهم مع الرئيس كالخصمين المتحاسبين، يطالبه بجائزة شعر، لو شعر بحقيقة أمره، لاستحيا منه ولزم حده بقية عمره.

قد بان لي عذرُ الكرام قصدهم ... عن أكثر الشعراء ليس بعارِ

لم يسأموا بذل النوالِ وإنَّما ... جَمُد الندى لبرودة الأشعارِ

أو كما قال الشريف العباسي:

ربَّ خذ للشعر من زمر ... أسمعونا فيه ما أضنى

مثلَ مضغ الماءِ ليس لهُ ... في فمي طعمٌ ولا معنى

فلذلك انقطعت السبل عن أهل الحياء، ونفق في سوق النفاق عرض أهل الرياء، فلم يجر باسم الفضلاء قلم لباري، ورضى العالم غاية استأثر بها الباري، ولله در القائل:

لا تغضبن على امرئٍ ... لك مانعٌ ما في يديهِ

وإغضب على الطمعِ الذي ... استدعاك تطلبُ ما لديهِ

<<  <   >  >>