للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد فصلنا في ذلك القول لأنه بعد هذه الحادثة حصل في التشيع تطور كبير، وبدأ يتجه إلى اتجاه ديني ويصبغ بصبغة مذهبية بعد أن كان سياسيًّا بحتًا، يرى رأي علي وأولاده مقابل معاوية وبني أمية. وبذلك صرح ولهوزن بكل وضوح حيث يذكر مقتل الحسين وبعده قيام المختار باسم الثأر، فيقول:

"كان التشيع في الكوفة آنذاك قد لبس ثوبًا جديدًا. وقد عرفنا من قبل المعنى الذي كان يدل عليه في الأصل. لقد كان تعبيرًا عن الاتجاه السياسي العام لمعارضة العراق لسلطان الشام. وفي بادئ الأمر كان الأشراف صفًّا واحدًا مع سائر الناس ويتولون قيادتهم. ولكن حينما أحدث الخطر تراجعوا واستلانوا لإغراء الحكومة (حكومة الأمويين في الشام) ثم استخدموا للقضاء على الثورات الشيعية. وبهذا انفصلوا عن الشيعة، فتحدد نطاق التشيع واتخذ شيئًا فشيئًا صورة فرقة دينية في تعارض مع الأرستقراطية ونظام العشائر، وأصبح بفضل استشهاد زعمائه وأوليائه ذا طابع مثالي خيالي. وكان أنصار سليمان بن صرد يرمون إلى الثورة على أرستقراطية العشائر في الكوفة. ولكن المختار كان أول من نفذ هذا الغرض وحققه عمليًّا. وإلى هذه الحركة اجتذب الموالي أيضًا. وهؤلاء كان اجتذابهم سهلاً لأنهم كانوا ذوي نزعة واضحة إلى الحكم الديني، لا القومي الشعوبي، وإن كان العرب هم الذين كانوا يتولونه حتى ذلك الحين، كما كانوا - أعني الموالي - يكرهون المتعصبين لسيادة العرب.

فلما ارتبطت الشيعة بالعناصر المضطهدة تخلت عن تربية القومية العربية وكانت حلقة الارتباط هي الإسلام. ولكنه لم يكن ذلك الإسلام القديم، بل نوعًا جديدًا من الدين" (١) ".


(١) - الخوارج والشيعة ص١٦٧ - ١٦٨

<<  <   >  >>