وعليه أجمع، فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام وهو أعز منه، فخذلوه، وتثاقلوا عنه، حرصًا على الدنيا، وضنًّا بها، فجرعوه الغيظ، وخالفوه حتى صار إلى ما صار إليه من كرامة الله ورضوانه، ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا، وقد شهدت ذلك كله ورأيته، ثم أنت تريد أن تسير إلى الذي عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ومن هو أعد منك وأقوى، والناس منه أخوف، وله أرجى، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال، وهم عبيد الدنيا، فيقاتلك من وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فاذكر الله في نفسك، فقال الحسين: جزاك الله خيرًا يا ابن عم، فقد أجهدك رأيك، ومهما يقض الله يكن، فقال: إنا لله وعند الله نحتسب يا أبا عبد الله، ثم دخل على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي والي مكة وهو يقول:
كم نرى ناصحًا فيعصى ... وظنين المغيب يلفي نصيحًا
"فقال: وما ذاك؟ فأخبره بما قال للحسين، فقال: نصحت له ورب الكعبة"(١)"
ثم وننقل القصة بكاملها من الشيعة أنفسهم كي يعرف ويدرك خيانة القوم وجبنهم. فيذكر المسعودي:
"واتصل خبر مجيء مسلم الكوفة بيزيد فكتب إلى عبيد الله بن زياد بتولية الكوفة؛ فخرج من البصرة مسرعًا حتى قدم الكوفة على الظهر، فدخلها في أهله وحشمه وعليه عمامة سوداء قد تلثم بها، وهو راكب بغلة والناس يتوقعون قدوم الحسين فجعل بن زياد يسلم على الناس فيقولون؛ وعليك السلام يا ابن رسول الله! قدمت خير مقدم،