لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فكما لا يعقل أن يحتمل التكليف غير بالغ، فكذلك لا يفهم القضاء بين الناس ودقيقه وجليله وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ، ولو جاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجة، لجاز أن يفهم ذلك من قد نزل عن حد البلوغ درجتين وثلاثاً وأربعاً راجعاً إلى الطفولية. حتى يجوز أن يفهم ذلك من طفل في المهد والخرق، وذلك غير معقول ولا مفهوم ولا متعارف.
ثم إن الذين قالوا بإمامه أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام اختفلوا في كمية علمه لحداثة سنه ضروباً من الإختلاف. فقال بعضهم لبعض: الإمام لا يكون إلا عالماً، وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي، فكيف علم؟ ومن أين علم؟ فأجابوه:
فقال بعضهم: لا يجوز أن يكون علمه من قبل أبيه، لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر إبن أربع سنين وأشهر، ومن كان في هذه السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق الدين وجليله، ولكن الله عز وجل علمه ذلك عند البلوغ بضروب مما يدل على جهات علم الإمام، مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا الصادقة في النوم والملك المحدث له ووجوه رفع المنار والعمود والمصباح وعرض الأعمال، لأن ذلك كله قد صحت الأخبار الصحيحة القوية الأسانيد فيه التي لا يجوز دفعها ولا رد مثلها.
وقال بعضهم: قبل البلوغ هو إمام، على معنى أن الأمر له دون غيره إلى وقت البلوغ، فإذا بلغ علم، لا من جهة الإلهام والنكت ولا الملك ولا لشيئ من الوجوه التي ذكرتها الفرقة، لأن الوحي منقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله بإجماع الأمة، ولأن الإلهام إنما هو أن يلحقك عند