فأجابه فيها بجواب، ثم عاد إليه في عام آخر فسأله عن تلك المسألة بعينها فأجابه فيها بخلاف الجواب الأول، فقال لأبي جعفر: هذا خلاف ما أجبتني في هذه المسألة العام الماضي، فقال له: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية. فشك في أمره وإمامته.
فلقي رجلاً من أصحاب أبي جعفر ُيقال له (محمد بن قيس) فقال له: إني سألت أبا جعفر عن مسألة فأجابني فيها بجواب، ثم سألته عنها في عام آخر فأجابني فيها بخلاف جوابه الأول، فقلت له لم فعلت ذلك فقال فعلته للتقية، وقد علم الله أني ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به، فلا وجه لاتقائه إياي وهذه حالي. فقال له محمد بن قيس: فلعله حضرك من اتقاه. فقال له: ما حضر
مجلسه في واحدة من المسألتين غيري، لا، ولكن جوابيه جميعاً خرجا على وجه التبكيت، ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب مثله.
فرجع عن إمامته وقال: لا يكون إماماً من يفتي بالباطل على شيئ بوجه من الوجوه، ولا في حال من الأحوال، ولا يكون إماماً من يفتي تقية بغير ما يجب عند الله، ولا من يرخي ستره ويغلق بابه، ولا يسع الإمام إلا الخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فمال بسببه إلى قول البترية، ومال معه نفر يسير" (١).
[الشيعة أيام جعفر بن الباقر]
وفي أيامه كمل التطور في التشيع والتغير الجذري والتبدل التام الذي شمل عامة الشيعة، والذي كان بدؤه بعد مقتل الحسين رضي الله عنه وعلى أيدي السبئية، فإنهم استطاعوا بعد ستين سنة من قتله وبعد تسعين سنة من نشأتهم، فصل طائفة من الناس عن المسلمين في معظم