رجعوا عن إمامة جعفر، وقالوا كذبنا ولم يكن إماماً، لأن الإمام لا يكذب ولا يقول مالا يكون، وحكموا على جعفر أنه قال: إن الله عز وجل بداله في إمامة إسماعيل، فأنكروا "البداء " والمشيئة من الله، وقالوا هذا باطل لا يجوز، ومالوا إلى مقالة (البترية) ومقالة سليمان بن جرير، وهو الذي قال لأصحابه بهذا السبب أن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذب أبداُ، وهما القول بالبداء وإجازة التقية. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في غد، وقالوا لشيعتهم أنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيئ على ما قالوه، قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قِبَل الله عز وجل ما علمته الأنبياء، وبيننا وبين الله عز وجل مثل تلك الأسباب التي علمت بها الأنبياء عن الله ما علمت. وإن لم يكن ذلك الشيئ الذي قالوا إنه يكون على ما قالوا لشيعتهم، بدا لله في ذلك بكونه.
وأما التقية، فإنه لما كثرت على أئمتهم مسائل شيعتهم في الحلال والحرام وغير ذلك من صنوف أبواب الدين، فأجابوا فيها، وحفظ عنهم شيعتهم جواب ما سألوهم وكتبوه ودونوه، ولم يحفظ أئمتهم تلك الأجوبة لتقادم العهد، وتفاوت الأوقات، لأن مسائلهم لم ترد في يوم واحد ولا في شهر واحد، بل في سنين متباعدة، وأشهر متباينة، وأوقات متفرقة. فوقع في أيديهم في المسألة الواحدة عدة أجوبة مختلفة متضادة، وفي مسائل مختلفة أجوبة متفقة. فلما وقفوا على ذلك منهم، ردوا إليهم هذا الإختلاف والتخليط في جواباتهم، وسألوهم عنه، وأنكروا عليهم فقالوا: من أين هذا الإختلاف؟ وكيف جاز ذلك؟ قالت لهم أئمتهم: إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أجبنا، وكيف شئنا، لأن ذلك إلينا، ونحن نعلم بما يصلحكم وما فيه