بل جاءوه فرادى كما خلقهم أول مرة ... والملك يومئذ لله الواحد القهار.
فعندما يقول العبد:(مالك يوم الدين) إنما يمجد الله تعالى بأنه الملك والمالك وليس لأحد ملك معه.
وإنك لترى يا أخي أن صبغة:(الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين جاءت بصيغة الغائب ولكن لما تلاها العبد: فحمد الله وأثنى عليه ومجده فقرب منه لأن هذا الحمد والثناء والتمجيد لمما يقرب إلى الله تعالى .. فلما قرب العبد من ربه فكأنه صار أمامه تماماً فناسب أن يخاطبه بصيغة المخاطب فقال: (إياك نعبد وإياك نستعين) فإن رب العالمين ورب كل شيء والرحمن الرحيم بجميع عباده ومالك يوم القيامة وحده لا شريك له وملكيه .. يستحق أن يعبد وحده وأن يستعان به وحده. إذا هو معبود بحق فلا يملك غير هذه الصفات العلى ولا ينادي غيره بهذه الأسماء الحسنى فصاحب هذه الأسماء والصفات إله عظيم يحق أن تصمد له العبادة وحده وأن يستعان وحده في كل شيء ... فمن كانت له تلك الصفات الكاملة ... يستحق إفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
وإنك با أخي لتلاحظ في قوله:(إياك نعبد وإياك نستعين) أنه قدم العبادة على الاستعانة لأن العبادة هي الغاية وأن الاستعانة هي الوسيلة إليها فإذا لم يعن الله عبده على طاعته ولم يطلب العبد إعانته على ذلك لا تحصل منه تمام العبادة .. أي إننا إذا لم نجعل طلب الإعانة من الله وحده لا تكون العبادة خالصة له.
وهكذا فإن العبد بقوله (إياك نعبد وإياك نستعين إنما حصر العبادة والاستعانة بالله وحده فـ (إياك نعبد) تبرؤ من الشرك (وإياك نستعين) تبرؤ من الحول والطول والقوة والتفويض إلى الله عز وجل.
لا شك يا أخي القارئ الكريم في أنك مقتنع معي أن النصف الأول من الفاتحة هو لله تعالى خاصة .. لأنه مشتمل على الحمد له والثناء عليه والتمجيد لذاته العلية وإخلاص العبادة له واقتصار الاستعانة عليه.