للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله أربعون سنة وستة أشهر وثمانية أيام كما قيل, فمكث بمكة يدعو إلى الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنة, ويلقى من عنت قريش وأذاهم له ولأصحابه الشيء الكثير, وهم صابرون محتسبون, كلما اشتد بهم الاذى ونزل بهم الكرب من أعدائهم صبرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستمعوا أو تلوا نحو قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فيهون عليهم ما يلقون في جنب الله, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يوافي الموسم كل عام, ويتبع الحجاج في منازلهم, وياتي عكاظ وغيرها من أسواق العرب يدعوا إلى الله عز وجل, حتى وفق الله جماعة من الخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم يهود يثرب أن نبيا يبعث في هذا الزمان فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد, فلما رأى هؤلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا الناس إلى الله, وتأملوا أحواله, قال بعضهم لبعض: "تعلمون والله ياقوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه", فاجتمعوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلموا وكانوا ستة, ثم رجعوا إلى المدينة ودعوا فيها إلى الإسلام فانتشر الإسلام فيها بين الاوس والخزرج, ثم حج من العام الذي يليه اثنا عشر رجلا, منهماثنان من الاوس, والباقي من الخزرج, فاجتمعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الأولى, ثم جاءه في العام الذي يليه أكثر من سبعين شخصا من المدينة, فاجتمعوا به عند العقبة كذلك, وبايعوه على ان يمنعوه مما يمنعون نسائهم وأبنائهم وكانوا سبعين رجلا وامرأتين. ولما علم أهل مكة باجتماع رسول الله صلى الله عليه وسلم باهل المدينة خافوا أن ينتقل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعزموا على قتله, واجتمعوا في دار الندوة يتشاورون في أمره على ما حكى الله تبارك وتعالى في ذلك حبث يقول: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ