وحدثني الراوي قال: جميع هذه الأعمال قرى متقاربة بعضها من بعض في الكبر والصغر وكل قرية منها مقيمة بأهلها، كل فخذ من فخوذ العرب وبطن من بطون البدو في قرية ومن جورهم يشاركهم في نزلها وسكنها أحد سواهم. وقد بنى في كل قصر من حجر وجص وكل من هؤلاء ساكن في القرية له مخزن في القصر يخزن جميع ما يكون من حوزة وملكه وما يؤخذ منه إلا قوت يوم بيوم. ويكون أهل القرية محتاطين بالقصر من أربع ترابيعه. ويحكم على كل قرية شيخ من مشايخها كبير القدر والسن ذو عقل وفطنة فإذا حكم بأمر لم يشاركه ولا يخالفه أحد فيما يشيره عليهم ويحكمه فيهم. وجميع من في هذه الأعمال لم يحكم عليهم سلطان ولا يؤدون خراجاً ولا يسلمون قطعة إلا كل واحد منهم مع هوى نفسه. بهذا لا يزال القتال دأبهم ويتغلب بعضهم على مال بعض ويضرب قرابة زيد على أموال عمرو وهم طول الدهر على هذا الفن. وجميع زرعهم الحنطة والشعير وشجرهم الكروم والرمان واللوز ويوجد عندهم من جميع الفواكه والخيرات وأكلهم السمن والعسل. وهم في دعة الله وأمانه وهم فخوذ يرجعون إلى قحطان وغيرهم من الأنساب.
[وأما ذهبان]
فهي أم القرى بلاد عز ويقال إنّ دور أعمالها أربعون فرسخاً وهي نجد اليمن والأصح أطراف أعمال نجد اليمن من شرقي تهاما وهي قليلة الجبال مستوية البقاع. ونجد اليمن غير نجد الحجاز غير أن جنوب نجد الحجاز يتصل بشمال نجد اليمن. وإلى بلاد قحطان أربع فراسخ وإلى راحة بني شريف فرسخين وادٍ فيه وضعت مدينة البصرة ويسمى درب العقيق. وإلى صعدة عشرين فرسخاً وهي مدينة ذات عمارة وأرض نزة ودرب آمن. قال ابن المجاوز: وفي هذا الطريق من الأمم والبلاد والمدن والقرى ما لا يعد ولا يحصى ول تحويه أقلام الدواوين أي في صنعة الحساب. وشرب أهل البلاد من أنهر سائحة وبعضهم يشرب من آبار ماؤها خفيف على افؤاد ذات هضم ولذة.
[من الطائف إلى مكة]
راجع من الطائف إلى حدب الرنج فرسخان وهو كهف جبل، وإلى الطود الأعظم ثلاث فراسخ جبل طويل وهو الذي يسمى الحجاز.
[ذكر الحجاز]
قال الأصمعي: سميت بذلك الحجاز لأنها احتجزت بالحرار الخمس منها حرة بني سليم وحرة واقم، ويقال احتجز الرجل بإزار أي شده على وسطه ومنه قيل حجزة السراويل وقول العامة حزة خطأ. وقال الخليل: لأنه فصل ما بين الغور والشام وبين البادية. وقال الجوهري: إنها حجزت بين نجد والغور. وقال أهل اليمن: مكة يمانية، والدليل على برهانه قول النبي (وقف على المتكا وقال: هذا شام وهذا يمن. وقال أهل الطائف: مكة تهامية لأن ما بين نجد وتهامة جبل يسمى الطود الأعظم فكل ما غرب منه فهو تهامة وما شرق فهو نجد. وقال أهل العراق: مكة أرض الحجاز. قال ابن المجاور: إنّ الطود الأعظم على هذا الوجه هو الحجاز بعينه لأنه حجز ما بين نجد وتهامة، ويقال إنه جبل متصل إلى اليمن. وديار العرب هي الحجاز التي تشتمل على مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ونجد الحجاز المتصل بالبحرين.
وليس في سائر الأقاليم أطيب منه ولا من جوه وهواه، كما قال: