يفيض البحر فيغرق جميع البلد وترجع المدينة لجة من لجج البحر. كما ذكر في مبتدأ الخلق إنّه يجوز عليها المراكب مقلعة خاطفة يقول أهل المراكب فيما بينهم: أنا سمعنا في قديم الأيام إنّه كان في هذا الغب بلد عظيم عامر لأهله مقيم سهل سليم ومقام كريم. فيقول أحدهم: ما تسمى؟ فيقول له: شذ عني اسمه. وبعد خرابها يعمر مرسى غلافقه والأصح الاهواب إلى أن يرجع احسن من عدن. حدثني أحمد بن عبد الله بن علي بن الحمامي الواسطي قال: ما بقي من عمارة عدن إلا اليسير. قلت: ولم؟ قال: لأني قرأت في بعض الكتب: إلا إذا اتصلت عمارتها إلى بابها. قال أبن المجاور: وقد اتصل إلى الباب بعض العمارات. وقال آخرون: عدن تخرب سنة سبع وعشرين وستمائة. ودل على تصديق المقالة دخول نور الدين عمر بن علي بن الرسول إلى عدن يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر رجب سنة أربع وعشرين وستمائة. وفي يوم الاثنين الثاني من شعبان طرح الفوة على كل من كان في عدن من غريب وقريب وقوي وضعيف ورجل وامرأة حرة ومفسودة على سعر البهار مائتي دينار وثمانين ملكي وضرب الخلق بالخشب وكانت الأيام شبه أيام المحشر كل منهم محنشر ينادي: أين المفر؟ فلما كان سنة خمس وعشرين وستمائة أخذ جميع فلفل التجار وجميع الخف والنحاس والبربهار حسب الفلفل البهار بأربعين ديناراً وطرحه على أهل الكارم بستين دينار واخذ الصقر من أهل الكارم على سعر البهار بستين ديناراً طرحه على أصحاب الخف بثمانين دينارا وأعطى أصحاب الفلفل الفوة على سعر البهار بأربعة وثمانين ديناراً، ويأخذ البهار بهار وربع وإذا أعطى البهار بهار إلى ربع. ويخرج بعد ذلك من هذه البضائع الواصلة العشور والشواني ودار الوكالة ودار الزكوة والدلالة يفضل مع التاجر لاش في لاش. ويحسب التاجر جميع حسابه بحديده والأرض. وأخذ جميع عطب من وصل من الهند مع التجار مستهلك لا يبيع ولا يشتري. وضمن القبان السنة بعشرين ألف دينار، والسليط على كل بهار يصل خمس دنانير، وسوق الخضرة والجوار والرطب واللحم وجميع الدواب بأحد عشر ألف دينار. ولم يبق شيء يدور عليه اسم وحرف إلا وقد رجع فيه ضمان ما خلا الماء والسمك.
[من عدن إلى المفاليس]
من عدن إلى المياه ربع فرسخ. وإلى المزف فرسخ وطوله ثلاثمائة ذراع وستين خطوة بناه شداد بن عاد لمّا بنى عدن، ويقال بناه العجم لمّا أطلقوا البحر على المياه حتى غرق ما حول عدن من الأراضي فجدد العمارة الشيخ عبد الله أبن يوسف بن محمد المسلماني العطار وأوقف على عمارته مستغلات بعدن. وإلى المملاح ربع فرسخ وهو موضع يجمد فيه الملح وكان مخلص رجع الآن عليه ضمان، ويقال إنّ بعضه صار للسلطان لان اتابك سيف الدين سنقر اشترى نصفه بألف دينار وإلى المجد ولى ربع فرسخ وإلى اللخبة ربع فرسخ ومنها ينقل الآجر والزجاج إلى عدن، بناه أبو عمرو عثمان بن علي الزنجبيلي. وإلى الحجر العر فرسخ وهو مقدار مائة حصاة ممدودة على ايمن الدرب. وإلى بئر الرجع فرسخين ويعبر برمل يسمى المغاوى. وأما وادي الرجاء فوادي نزه ويسمى عند العرب الحردة بين أشجار أثل وأراك وقد بني على البئر مسجد حسن. حدثني الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين المحفني قال: إنّ الأديب ظفر بن محمد بن ظفر بنى المسجد والبئر في الرجاع ويقول أهل البلاد وهم العقارب: ما يتفق ماء الحدرة وعيش أي لم يتفق أكل خبز وشرب ماء بئر الرجاع لان هذا الماء يغني عن أكل العيش. وإلى النويعم فرسخين والنويعم وادي نزه ونخيل وشجر سدر. حدثني بعض أهلها إنّهما واديان أحدهما النويعم والثاني وادي مرحب وهما آخر الوطاءة وأوّل الجبال. وإلى المفاليس فرسخين قصبة مختصرة بنيت في شعب جبل مثلث. وبنى سيف الإسلام على ذروة هذا الجبل حصن مختصر يسمى المصانع يقال إنّه قديم البناء وهو ذو إحكام ومكنة وليس يكون لأهلها بيع ولا شراء إلا أيام الوعد لا غيرا.