من مكة إلى القرين فرسخ، بناء الأمير هاشم. وإلى البيضاء فرسخين، وإلى أيدام ثلاث فراسخ، بئر حفره أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وجدده القائد الحسين بن سلامة. وإلى وادي المحرم ثلاث فراسخ ومنه يحرم حاج اليمن. وإلى فرع خمس فراسخ، أرض بني شعبة. ليس يلبس نسائهم إلا الأدم وذلك إنّ المرأة تأخذ طاقين من أديم تخيط بعضة إلى بعض وتقور فيه قوارة وتكتسيه فإذا مشت بان جميع بدنها من فوق ومن تحت، وإذا رأى غريب المرأة على ذلك الزي يقول لها: استري فيقول زوجها أكسها وإنّ كانت الورأة عريانة وهي لابسة فيقول له زوجها: اكسها فان كساها وإلا قتله لأنهم يقولون: من ستر غيره. ولم يكن في جميع العالم أصل من هؤلاء القوم ولا أسرف ولا أجرم ولا أخسر منهم في أخذ مال الحاج لأنهم يسمون الحاج جفنة الله، فإذا قيل لهم في ذلك يقولون: إذا حضر جفنة الله لخلقه أكل منه الصادر والوارد. وإذا قلت لأحدهم: قطع الله رزقك من الحرام يقول: لا بل قطع الله رزقك من الحلال! ما ترى عندنا من خير سوى هذه الجبال السود لا لنا زرع ولا ضرع ولا أخذ ولا عطاء، وجميع ما تعملوه انتم الحاج آخر جاء مقابل الكعبة من الفضائح والغنائم فسلطنا الله عليكم حتى نستقضي للحاج منكم الحق وثلث الباطل. ولذلك تقول العجم في أشعارها:
ازسيم عرابي نه بل آيد نه رباطي ... زيراكه همه توشه حجاج ريابند
وإلى السرين ثلاث فراسخ، بناية الفرس على ساحل البحر. وإلى وادي الأثلاث ثلاث فراسخ. وإلى حصارة خمس فراسخ. وإلى حلى سبع فراسخ، بلد فيه جامع ومنارة. وأول من أخربها غازي بن متكلان من بني حارث الكردي في أيام دولة سيف الإسلام طغتكين بن أيوب، وبقى المكان على حاله إلى أن أعاد بناءه موسى بن علي بن عطية وهو إلى الآن مالكها، وجميع هذه الأعمال لبني كنانة. وإنما أشتق اسم حلى من الحلي الذي جمعه السامري من بني إسرائيل في أيام هرون بن عمران عليهما السلام وجعل صورة عجل كما قال الله تعالى:(فأخرجَ لهم عجلاً جسداً له خوارٌ.) وفي مشارق هذه الأعمال قوم يقال لهم البهيمية وهم يرجعون في الأصل إلى آل عامر ويرجع آل عامر إلى سنحان. فإذا نزل بهم ضيف يقول له: بما تعشى؟ يقول: بكذا! وبم تغدى؟ وما يقدم له إلا ما طلب وإشتهى عليهم. فإذا تعشى يقول الرجل لزوجته: روحي أكرمي الضيف! فتجيء المرأة فتنام في حضن الضيف إلى الصباح بلا خوف ولا حذر ويقوم الصبح كل يغدو إلى شغله. فإذا خطب زيد بنت عمرو وأنعم له عمرو بإجاب القول دخل زيد إلى بنت عمرو وإستفضها وبات معها طول ليلته، فإذا أصبح خرج وترك نعلاه في بيت بنت عمرو فيعلم إنّه رضى بها فحينئذ يعقد عقد النكاح. وإن لبس حذائه وغدا علم عمرو أن زيداً لم يرض ببنته. وهذا من أجاويد هؤلاء القوم. ومصاغهم الصفر والحديد والرصاص ولبسهم الجلود المدبوغة وجواهرهم الودع ومهرهم قطع الطريق ومنع السبل. وإلى الدبساء خمس فراسخ. وثغر وادي عمق وهو سخل ويعرف بشرم الجارية، خور من البحر يخاض فيه مخاضة. وما عرف بها إلا إنّه خاضته الحجاج فلما توسطوه زلق جمل وعليه جارية وقعت الجارية في البحر فأخذها المد وراحت فعرف الشرم أي الخور بالجارية. وإلى ذهبان أربع فراسخ وسكانه عرب مجمعة من بني أسد وبني ريح وبني معاصم وبني رفدة إذا نزل بهم نزيل يقولون له: بؤس وساحق وعض وعانق، يعني صاحبة البيت، ولا تدخل معها أي لا تطأها فإذا أدخلت معها أدخلنا معك هذا الخنجر. ويسمى وادي الدوم وما سمى بذلك إلا لكثرة نخل الدرم بها وهو شجر المقل. وفي وادي الدوم يقول الشاعر:
وآخر عهدي منك يوم لقيتني ... بأسف وادي الدوم واثوب يغسلُ