حدثني موسى بن مسعود النساج الشيرازي قال: لما أسلم سلمان الفارسي رضه تسامعت أهلوه بالخبر فقصدوه وأسلموا على يد رسول الله (وسكنوا جدة لأنهم كانوا تجاراً، وقال بعضهم: بل هي بناء حرد بن وبربر بن يزدجرد بن شهريار بن بهرام. ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن أسحق بن عباس في كتاب الفاكهي قال: أوّل من أتخذ جدة ساحلاً عثمان بن عفان وكان قبل ذلك بموضع يسمى الشعيبة. قال ابن مجاور: والشعيبة هو خور عظيم ومرسى قديم مقابل وادي المحرم لا شك أنه كان قبل جدة لأن ما في تلك النواحي مرسى أدنى منه ولا أمن عاقبة. قالت العجم: فلما خربت سيراف انتقلت أهل سيراف إلى سائر سواحل البحر كما تقدم ذكره فوصل قوم منهم اثنان أحدهما يسمى سيار والثاني مياس فسكنوا جدة وأداروا على البلد سوراً من الحجر انضم بالجص. فلما ابتدءوا في المقام بها بنوا هذا السور وجعلوا عرض الحائط عشرة أشبار فبقي السور على حاله حتى تمكنوا من المقام بنوا على وجه السور سوراً ثانياً من الحجر الكاشور منقوش أي منحوت مربع بالجص وجعلوا عرض الحائط خمسة أشبار فصار عرض الحائطين الملتصقين بعضهما إلى بعض خمسة عشر شبراً. وركب عليه أربعة أبواب: باب الرومة، وباب المدبغة وكان عليه حجر حفر فيه طلسم إذا سرق في بلد سارق وجد بالغداة اسم السارق مكتوب في الحجر، وباب مكة، وباب الفرضة مما يلي البحر. وحفر حوله خندق عظيم في الوسع والعمق. فكان يدور ماء البحر حول البلد ويرجع ما فضل منه إلى البحر والبلد فيصير شبة جزيرة في وسط لجج البحر. فلما حصنوا الفرس البلد غاية التحصين خافت القوم من ضيعة الماء فبنوا ثمانية وستين صهريجاً داخل البلد وبنوا بظاهر البلد مثلها والأصح أنه بنى بباطن البلد خمسمائة صهريج وبظاهر البلد مثلها والله أعلم.
[ذكر بعض الصهاريج]
أبو الطبن عامر والمرباني والحفيرة والنخيلات وصهريج بكر والحجري والصرحي وصهريج السدرة والحوار والفرحي وصهريج يحيى الشريف والودية والمبادر وصهريج البيضة والبركة وصهريج أم ضرار وصهريج بركات وصهريج سليمان العطار والطولاني والعرضاني. فكان إذا وقع الغيث وامتلأت منه الصهاريج التي بظاهر البلد كانت العبيد تنقل ماء الصهاريج على الدواب فتقلبه في الصهاريج التي عندهم في الدور. وكذلك صهريج الأخميني وصهريج الأبنوس وصهريج ردرية وصهريج محمد بن القسم. وكان يبقى الماء عندهم من العام إلى العام وهم في أكل وشرب وغسل وهزل وجد وهرج ومرج.
[ذكر خراب جدة]
انفذ أصحاب مكة إلى شيخ التجار بجدة وطلب منه حملاً حديداً، فقال الشيخ للغلام وهو واقف عنده: أعطه حملاً حديداً! فجاء الغلام فأعطى الرسول حملاً حديدا. فلما فتح الحمل الحديد قدام الأمير بمكة وجده قضبان ذهب، فرد الرسول راجعاً وقال: قل للشيخ يتفضل وينعم وينفذ إلي بحمل ثاني من حديد هذا العين. فلما علم التاجر بقصة الحال نادى الغلام وقال له: ما أعطيت الرجل؟ قال: حمل حديد اصفر من طول الخبأ وقد علاه الصدى من طول المدى. نتحقق الشيخ عند ذلك إنّ الحمل كان قضبان ذهب وعرف أن قد طمع فيهم، فقصد الشيخ إلى شيخ كبير كان عندهم في السن فشاوره في أمره وما يصنع. فقال له الشيخ: الذي عندي أنكم قوم موسرون فخذوا جميع ما تحتاجون إليه ويركب كل مركبه وينطلق في هذا البحر الواسع وأي موضع أعجب الرجل منكم نزله وسكنه بعد أن تخلون البلد جوف حمار أو كرأس ليس في خمار. فعند ذلك عبوا أمتعتهم في المراكب ورفع كل قلعه ودخلوا البحر وذلك في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. ويقال برواية أخرى إنّ العرب جاءوا وحاصروا القوم فلما قل عليهم الماء ركبوا مراكبهم وعدوا في البحر فسكن قوم منهم السرين والراحة وعثر والجرعة والدرعة ودهلك وبيلول وجدة من الجزيرة فرسان والمخاء وغلافقة والأهواب والثميد وجزيرة ذهبان وكسران وبندر موسى وباب موسى. فلما خلت الأرض من الأحباب ملكها الأعراب في دولة الأمير داود بن هاشم. قال أبن المجاور: ورأيت في المنام كأن قائلا يقول لي: ما استفتح جدة من الفرس إلا مضر بن هاشم والأصح شكر ابن أبي الفتوح. ومن عهدهم خربت واندرست وبقيت الآثار خاوية على عروشها كما قال الشاعر: