كان من القلزم إلى عدن إلى وراء جبل سقطرة كله بر واحد متصل لا فيه بحر ولا باحة فجاء ذو القرنين في دورانه ووصل إلى هذا الموضع ففتح وحفر خليجا في البحر فجرى البحر فيه إلى أن وقف على جبل باب النمدب فبقيت عدن في البحر وهو مستدير حولها وما كان يبان من عدن سمى رؤوس الجبال شبه الجزر. ولنا على قولنا دليل واضح إنّ آثار ماء البحر والموج باق بائن في ذرى جبل العر والجبل الذي على ذروته حصن النعكر وجبل الأخضر والدليل الثاني إنّ شداد بن عاد ما إرم ذات العماد إلا ما بين اللخبة ولحج وبين المغاوي التي على طريق المفاليس وهو الرمل الذي إلى جبل دار زينة. وما بناها إلا في أطيب الأراضي والأهوية ة الجو في صفاء من الأرض بعيد عن البحر. والآن رجع البحر في أطراف بلاد إرم ذات العماد وتناول البحر شيئا منه أخذة ولم يكن بهذه الأرض بحر وإنما استجد بفتح ذي القرنين فمد من جزيرة سقطرة فساح إلى إنّ وقف أواخر المندب والدليل الثالث إنّ البحر الذي ما بين السرين وجدة يسمى مطارد الخيل ومرابط الخيل والأصل فيه إنّ العرب كانت تربط الخيل في هذه الأرض والأصح إنهم كانوا يطاردون الخيل لمّا لم يكن بحرا وكان البحر أرضا يابسة. فلما فتح ذو القرنين باب المندب غرق جميع الأراضي وما علا منها صارت جزرا في ناحية البحر يسمى باس مطارد الخيل. ومما ذكره الأمير أبو الطامي جياش بن نجاح في كتاب المفيد في أخبار زبيد الأول، وهما كتابان المفيد الأول الذي صنفه الأمير جياش والثاني صنفه الأمير فخر الدين أبو علي عمارة بن محمد، فذكر الأمير جياش بن نجاح في كتابه المفيد في أخبار زبيد إنّ البحر كان مخاضة لقلة مائه فلذلك تغلبت الحبشة على جزيرة العرب حتى ملكوا صنعاء إلى حد إقليم العواهل وبقيت دولتهم فيها في الكفر والإسلام إلى إنّ أفناهم علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وفي عهده انقرضوا وزالت دولتهم مع شدة صولتهم. نعود إلى ذكر ذي القرنين كان البحر على حاله إلى أن فتح ذو القرنين باب المندب فجرى البحر فيه إلى أن وفق آخر القلزم فطال وعرض وترخى وانبسط انفرش فبانت ترض عدن. ومما ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الله الكيساني في تفسيره قال: لمّا خرج شداد بن عاد من أرض اليمن طالب أعمال حضرموت ووصل لحج فنظر جبل العر وعظمة من على مسافة بعيدة فقال لأعوانه: أغدوا وابصروا هذا الجبل وما دونه فلما عاينوا الموضع رجعوا وقالوا: إنّ هذا الموضع وادٍ وفي بطنه شجر وفيه أفاعي عظام وهو مشرف على البحر المالح. فلما سمع بهذا المقالة نزل في لحج وأمر بان تحفر الآبار التي هي الآن يشرب أهل عدن منها وأمر أن ينقر له باب في صدر الوادي.
[صفة نفر الباب وحفر النهر]
وأقام على حفر النهر ونقر الباب رجلين، قال حكماء الهند: هما عفريتين من الجن، ولا زال أحدهما ينقر الجبل والثاني ابتدأ في حفر النهر برأس سقطرة من أعمال لحج. ولا زال الرجلان يعملان في النقر والحفر إلى أن بقي عليهم من العمل شيء يسير. فقال الحجار: إني إنّ شاء الله تعالى بالغد افرغ آل أتم عملي. فقال الحفار: وأنا بالغد ادخل الماء إلى عدن إنّ شاء الله وإنّ لم يشأ. فاقطع النهر بعضه من بعض وانسد معين الماء من الأصل وإرتدم ما بناه بعضه على بعض ولم يصح منه شيء ولم تقم منه صورة ولا استقام منه مغنى، ووصل في حفره إلى تحت جبل الحديد ومن عنده انقطع. قال أبن المجاور: ورأيت آثار النهر بعينه مبني بالحجر والجص بناء محكما وثيقاً في عرض ذراع ما بين الماء وجبل الحديد وقد علاه البحر ولم يبن لناظره إلا إذا عرى البحر ماد شبه خط الاستواء داخل في البحر. قال فلما اصبح الحجاز من الغد فتح نقر الباب وفتحه واستقام الأمر على ما أراد. ويقال إنّه بقي في النقر مدة سبعين سنة حتى أتمه. فطال المقام في حال القوام صار شداد بن عاد ينفذ إلى هذا المكان كل من وجب عليه الحبس يحبسه فيه فبقي حبساً على حاله إلى آخر دولة الفراعنة الذين كانوا ولاة مصر، بعد زوال دولتهم خرب المكان.