حدثني محمد بن سلامة بن محمد بن حجاج قال: ركبت امرأة لبعض البدوان ويقال بنت عمرو بن معدي كرب ركبت أتانا على نحي سمن أي ظرفين. فبينما هي غادية إلى الفلا صادفها عابر طريق وسالك سبيل فراودها عن نفسها فأبت إنّ تعطيه، فقال لها: إنّ كان لا بد فاسقيني سمناً! فقالت له: أهلاً وسهلاً اشرب! ونزلت بالظرفين فحلت رأس أحدهما فشرب الرجل منه شيئاً وقال: ليس هذا سمناً طيبا. ففتحت له الثاني فشرب حاجته وقال: لها امسكي! فأمسكت الظريفين. فحينئذ قام وكشف وراءها وجامعها والمرأة خائفة إنّ تخلي السمن يتبدد، ولا زالا على حالهما إلى إنّ فرغ منها. فشدت رأس النحبين أي الظرفين وأركبها أتانها ومضى ومضت وراء شغلها وتم الرحل على ذلك. فعلم أبوها ويقال أخوها عمرو بن معدي كرب الخبر فجاء وسدد الآبار وهدم الأميال ونقض القصور ليقطع سلوك الطريق، فلما طم الآبار سقى الرمل فظهر ما بقي منه وانقطعت الطريق. وعرفت بذات النجبين يعني المرأة والظرفين والله اعلم واحكم. وهو رمل شبه دقيق السميذ دون أعمال التنعيم مما يلي ظهر اليمن لم يقدر أحد يسلكه لرفعه، مسيرة هذا الرمل شهر كامل ويقال أيام. وهو الذي يسمى رمل عالج وهو الرمل الذي هو على شفا طريق الرضراض قطعه بعد أن منعه. ويقال إنّما دخل سيف بن ذي يزن إلى العراق وورد إلى اليمن بعساكر الفرس إلا على حده، وكانت المسافة فيما بين الإقليمين سبعة أيام ويقال عشرة على ما تقدم ذكره. ويقال برواية أخرى إنّ عمرو أبن معدي كرب كان وراء الفلاة مع الظعن لمّا سدد الآبار سقا السافي طم ما بقي من الباقي وجاء في خلق عظيم ملك صعدة بعد إنّ أخربها، وقد تقد ذكر خرابها. فلما خربت المدينة بنت العامة موضع الخراب بعينه، ويقال لب قريب منه، والأصح إنّه بني في وسط الخراب وقالوا: نترك الأطراف! ويقال إنّما غزى القوم إلا بدوي من ذات الأكيك وذات الحرمل، وفيه يقول عنترة:
طال الثوى على رسوم المنزل ... بين الأكيك وبين ذات الحرمل
فلما ضاق على البدوي الأرض اسفى الأرض في ديارهم خرج إلى الحجاز وفتل على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ويقال إنّما ينتقل الإنسان من مكان لأربع خصال: لرزق يستوفيه أو موت ليقضيه أو لسعادة تأتيه أو لشقاوة تستوليه. حدثني هشام بن مسعود النجراني في دار الإمارة قال: إنّه كان هذا الطريق ينفذ إلى الكوفة، أو قال: إلى البصرة، وكان أهل اليمن يسافرون إليه بالحمير وعليهم الأديم إلى إحدى هاتين المدينتين في العام مرتين. قلت: وعلى أي الأمكنة كان مسلكهم؟ قال: على اليمامة والحساء والبصرة. قلت: ومتى كان عهدكم بعمرانه؟ قال: سنة عشرين وخمس مائة وقال:
لمّا رأيت سلوى غير متجه ... وإنّ غرب شفاري عاد مفلولا
دخلت بالرغم مني تحت طاعتكم ... ليقضي الله أمراً كان مفعولا
وقال آخر:
سألت الناس عن خل وفي ... فقالوا ما إلى هذا السبيل
تمسك إنّ ظفرت بود حرّ ... فان الحر في الدنيا قليل
[صفة إقليم نجد]
نجد أرض عالية ذات آكام لطاف حرة صافية الجو معتدل موافق لمن سكنها ودخلها. وبنوا فيها الأوائل أربعين قصراً مجتمعة والأصح متقاربة تسمى في العراق قصور نجد، وتسمى عند أهل البلاد السكيت ويقال معاصم، بنى بالحجر والجص ذات إكام ومكنة للربيع بن زهير وعمرو بن معدي كرب وعنتر بن عمرو بن شداد. قال الراوي: كنت ادور مع البدوان في فلاة نجد فنجد بين شجر الأراك آبار طويت بالحجر والجص وقد أدخل في جملة البناء أخشاب الساج، وكنا نجد الكرم حاملاً بالعنب ألوان مختلفة ونخلاً حاملاً بالخلال وشجر التين والخوخ والأجاص ومن جميع الفواكه. ولا شك إنّ هذا الإقليم كان عامرا وفيه بساتين عمرت على تلك الآبار وجميع ذلك موجود في أرض نجد على ما ذكرنا ما دنا منها وما قرب والله عز وجل احكم.
[صفة ماء الهباءة]
والأصل فيه على ما ذكره الراوي إنّ الهباءة هو غدير طويل عريض عميق ليس فيه قرار لأحد من شدة جريان السيل ينزل من جبال عظيمة عالية. شامخة. وفيه يقول القائل:
يا جبال الشام يا شمخ الذرى ... أقواطي بلاك الله بالمحل