إذا خطب زيد بنت عمرو وانعم له بذلك يقول زيد لعمرو: أريد أشاهد جمال كريمتك، فيقول له عمرو: اقدم إلى السوق الفلاني فأنها تتوعد به شاهدها في بيعها وشرائها وجمالها. فيتقدم زيد إلى السوق الذي دله عمرو عليه فيقعد على قارعة الطريق. فتقبل خطيبته وعلى ظهرها كارة وعلى قدر شيلها تحط في السوق فتبيع ما معها وتشتري حوائجها. وترفع كارتها على ظهرها. ويرجع خطيبها ورآها تقطع الجبال والأودية والشعاب والسهل والجبل واللين والوعر، وهذا كله ولم تحط كارة من ظهرها ولم تسترح. فإذا أعجب الرجل حالها وجمالها وشيلها وبيعها وشراها وقوة صبرها على شيل الثقيل فعند ذلك يملك بها ويدخل عليها وتبقى على شغلها ذلك إلى الممات. وهذا زي القوم في البدو والبادية: وألبسهم الخلم لبرودة البلاد. ويقال إنّ رجلا قال: اشتهيت على الله عز وجل مياه صنعاء في عدن وأحطاب عدن في صنعاء وكلاهما ملكي. ولم يعرفوا أهلها شعلا لسراج، حدثني محمّد بن منصور بن محمّد الواسطي قال: يطلع في أعمال تعز وصنعاء قضبان تسمى شوحط إذا أشعل رأس القضيب أشتعل شبه الشمع، ولم يشتعل في سائر الأعمال طول الدهر إلى الشوحط لا غير عوض عن السراج والفتل. مأكولهم الحنطة والحلبة واللحم، والشراب لا يقطعوه لا صيف ولا شتاء لا ضعيف ولا قوي. سفرهم إلى عدن وشرائهم العطب والعطر والهندوان. وغاية اشتغال القوم في معرفة الجواهر وعلم الكيمياء وعلم النجوم والنحو والمنطق والفلسفة والهيئة والهندسة وحساب الضرب والجمل، وقوم يدعون الحكمة وفصل الخطاب. وبناؤهم بالحجر القديم يحفرون الأساسات القديمة ويستخرجون منه ألواح حجر طول اللوح أربعة اذرع في عرض مثله تكسر تلك الحجارة وتعمل ويبنى بها، وبناؤهم على تقاطيع بغداد في التفريض والتذهيب.
[صفة وادي الظهر]
حدثني عبد الله بن مسلم الزبيدي الوكيل قال: في أعمال صنعاء واد يسمى وادي الظهر ففي بعض السنين مطر غيث طحطاح ورحراح فسالت منه الأودية ورويت منه البلاد وسقي منه العباد، وسال أواخره إلى الوادي فمن حدة جريانه غسل الأرض من التراب والحصى فظهر في بطن الوادي صخرة كبيرة عليها مكتوب:
أنا الذي قد أفنى ثمودا ... وعادا ثم أفنى جبلا
فمن يعمل قبيحا أو جميلا ... به يلقاه مكتوبا سجلا
فبقيت الصخرة في بطن الوادي يقرأها زيد وعمرو ويعتبر منه قيصر وجعفر عدة شهور. وبعد انقضاء هذه المدة جاء سيل أعظم من الأول طم الصخرة بالحصى والتراب ورجع إلى ما كان ولم يعرف أين كان إلى الآن.