حدثني يحيى بن علي بن عبد الرحمان الزراد قال: إنّ شيث بن آدم عليه السلام بني مدينة صنعاء وغرس بظاهرها بساتين أهدمها ايمن الدرب والثاني أيسره وهما بطول من صنعاء إلى العراق مسيرة سبعة أيام. حدثني السلطان جميل: بني سام بن نوح عليه السلام لأنه استولى عليه ولم يكن يقدر على المقام في مدينة واحدة فكان يدور العالم على موضع هوى خفيف الماء معتدل الأرض في الصحة ليسكن ما به من الألم، فوجد أرضاً موافقة لطبعه، فلما نزل صنعاء زال عنه الألم. وحينئذ صعد على جبل نقم سكنه وقال لأهله وأشياعه: ليعمر كل منكم مسكناً يسكنه! فعمرت الخلق المساكن فرجعت مدينة طولها وعرضها مسيرة سبع فراسخ. وكانت أعمالها تنفذ إلى البصرة، وبقيت الطريق مسلوكة عامرة إلى أن علاه الرمل فقطعه. وبنى هود عليه السلام في جامعه بئرا وهي أوّل بئر حفرت في عالم الكون والفساد. وأدار سورها الملك الأغر علي بن محمد بن علي المعلم الصليحي بالحجر والجص وركب عليه سبعة أبواب: باب غمدان ينفذ إلى اليمن، وباب دمشق ينفذ إلى مكة، وباب الشيخة ينفذ إلى محلة وهم المخدومين، وباب خندق الأعلى يدخل منه السيل، وباب خندق الأسفل يخرج منه السيل يسقي الأرض، وباب النصر ينفذ إلى جبل نقم وبراش، وباب شرعة ينفذ إلى بستان السر والله أعلم.
[ذكر قصر غمدان]
أوّل من ابتدأ في بنائه سام بن نوح عليه السلام لمّا بنى صنعاء، ويقال سليمان بن داود عليهما السلام لمّا دخل اليمن يتزوج بلقيس. وكانت التبابعة من ملوك اليمن لهم رغبة نفيسة وهمة عالية في عمارته وكل ملك تولى منهم كان يعلى قصرا على قصر حتى ارتفعت تلك القصور اثنين وسبعين سقفا ويقال ثلاثة وتسعين سقفا. وآخر من بني به اسعد الكامل ويقال اسعد الخزاعي قصر من الزجاج وهو الخاتمة. وأنشدني عبد الله بن داري بن أبي بكر العنبري ليلة الأحد الخامس من صفر سنة ثلاث وعشرين وستمائة:
لا يأخذ الثأر إلا كابن ذي يزن ... إذ صير البحر للأعداء أحوالا
إني هرقلاً وقد شالت نعامته ... فلم يجد عنده النصر الذي سال
ثم أثني نحوي كسرى بعد سابعة ... من السنين يهين النفس والمالا
حتى أتى ببني الأحرار يقدمهم ... تخالفهم فوق متن الأرض أجبالا
غلب أساورة بيض مزاربة ... أسد تربب في غيطان أشبالا
لله درهم من عصب صبر ... ما إنّ رأيت لهم في الناس أمثالا
أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد ... أضحى وشيكهم في الأرض فلالا
فالطط بمسك إذا شالت نعامتهم ... وأسبل اليوم في برديك إسبالا
واشرب هنيئاً عليك التاج مترفقاً ... في رأس غمدان دارا منك محلالا
تلك المكارم لا قعبان من لبن ... شيئاً بماء فعاد بعد أبوالا