عرب النهائم من موزع إلى أعمال أبين مع جميع العقارب وهم عرب هذه البلاد يسمون بنو الحرث يدعون المحبة لله وفي الله. وإذا وجد أحدهم غزالاً ميتة أخذوها وغسلوها وكفنوها ودفنوها وبقي للغزال غزالاً في جميع القبائل مدة سبعة أيام مشققين الجيوب مقطعين الشعور يذرون الترائب على المفارق فقيل لهم فيما هم فيه فقالوا: نحن نمشي على الأصل ونقول بترك الفرع. كما قال قيس بن الملوح:
فعيناك عيناها وجيدك جيدها ... ولكن عظم الساق منك دقيق
ولم يأكل أحد من أهل هذه القبيلة خبزا مقابل امرأة ولا يشرب ولو مات جوعا وظماً. ومن هذا الحد يخلى الجمال ويركب الحمير إلى قدام. وما اشتق اسم المفاليس إلا من الإفلاس كما قال أبو نؤاس:
أريد قطعة قرطاس فتعوزني ... وجل صحبي أصحاب القراطيس
تحاهم الله من ود ومعرفة ... إنّ المياسير منهم كالمفاليس
[من المفاليس إلى تعز]
من المفاليس إلى نقيل الحمر فرسخ ونصف، بناه الشيخ أحمد بن الجنيد بن بطال حدثني يحيى بن عبد الرحمن الزراد قال: إنما بناه محمد بن سليمان أبن بطال. ويقال إنّه ثلاثمائة وستون ملوى أي فركة ذبح على كل ملوى رأس بقر فدية وستة أحمال حنطة وخرج ثلاثمائة دينار، ويقال إنّه خرج كل ملوى بألف دينار، وبنى على كل ملوى سقاية ومسجد. فلما أتمه طالبته زوجته بمهرها فقال لها: ما تريدين مني؟ قالت: أريد أن تعطيني ثواب عملك وأنت في حل من المهر، فأعطاها ثواب ما عمله. وتم ستة وعشرين وأربعمائة ويقال ستة وعشرين وخمس مائة وهو بناء عجيب حسن.
[صفة الحجر الذي في النقيل]
وفي النقيل حجران فيهما على هيئة فرجي امرأتين. سألت المكارى عن حالهما فقال: إنما كانتا امرأتين مسختين حجرين إحداهما بانت في ضرس جبل والثانية قطعة وفرشت على جملت بناء المدرج. وبين الحجر والحجر مقدار عشر اذرع، يحيطان كل شهر ويقال كل حول. قال أبن المجاور ورأيت فيه شيئاً شبه الدم ولم يتحقق عندي إنّه دم أو غيره. حدثني أحمد بن المهنا الصفار الحلى ثم الفدسي قال: يمكن أن يكون ذلك الدم موميا بني آدم لان موميا بني آدم الأصل فيه هو الذي يعقد من الحجر ويسيل. وقال بعضهم: إنّه يشم من الحجر رائحة كريهة، شممت ذلك ووجدته بخلاف ما قالوا. والحجرين هما على مائتين وثلثي ملوى وهما على يمين الصاعد من المفاليس إلى الجوة وعلى يسار النازل إلى المفاليس قدره مائة وثلثين ملوى. وعلامته أن نبت على رأس الحجر الواحد شجرتان سلم فيصل فيئهما إلى الحجر الثاني الذي ادخل في جملة البناء. وبقي النفيل على حاله إلى أن دخل شمس الدولة توران شاه بن أيوب اليمن فخرجت العرب بعض النقيل لئلا يعبره أحد من الغز. وبقى مهدوم إلى أن تمكن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب من الملك وجدد عمارته من ماله والأصح أنه أخذ أمر لعقب بانيه بالجلالة. وكان قبل أن يعمر الشيخ محمد بن سليمان بن بطال الركبي هذا النقيل طريق الحرز، وهو أن يخرج على لحج يدخل وادي ولا يزال يسير فيه إلى الجوة في شعاب وأودية ووطاءة قريب المسافة. وما قطع الناس مسير طريق حرز إلا من شدة الخوف بها لأنّه لا يزال مسافر لحد رأس فلذلك سمى طريق حرز، وسنذكره في أعمال الجوة. وإلى اسفل النقيل فرسخين وبه موضع منحدر يسمى المجرية، وفيه انشد بعضهم يقول:
قطعنا الحمراء والمجرية ... مع تلك الجبال والأودية
وإلى الحنيش نصف فرسخ. وهما خطان أبيضان في لحف جبل مستقيمان، يقال انهما كانا حنشين ملتقيين فضربهما البرق فمسخوا خطين أبيضين. وإلى الحواض فرسخ، وطاءة ذات خوف شديد. وإلى الجوة نصف فرسخ، من أعمال الدملوة. وإلى الدملوة فرسخ والله اعلم.
تم القسم الأول من تأريخ المستنصر ويليه القسم الثاني إن شاء الله تعالى