للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلق لما عاش قد ... سجدوا له طوعا وقسرا

والكل لما مات قد ... سجدوا له في الكأس سكرا

ولا يخفى على ذي اللب أن هذا مأخوذ من قول أبي تمام بن رباح وقد تقدم وهو أحسن من هذا.

وقوله أيضاً:

ألا إنّ شرّاب المدام هم الناس ... وغيرهم فيهم جنونٌ ووسواس

فيا ليت أني مثل كسرى مصورٌ ... فليس يزال الدّهر في كفه كاس

وهذا مأخوذ من قول أبي فراس. وسيأتي فيما بعد.

وقوله أيضاً وهو في غاية الحسن:

شربنا على هذا وذاك مدامةً ... بدت كالعقيق الرطب والذهب الرّخص

أعيد لنا في كأسها شخص قيصرٍ ... وكسرى، فكادت تبعث الروح في الشخص

قياصرةٌ في قصر كسرى وربما ... مجنّا فقلنا بل مساكين في خص

وقول ابن قلاقس الإسكندري:

لو لم يصبها الماء حين توقدت ... بيد المدير لخفت أن يتسعّرا

وبنيتها قصرا سقيت براحتي ... كسرى أنوشروان فيه وقيصرا

وقوله أيضاً

أنهكت جسمها السنين فلولا ... عرفها لم يكن بها ذا اعتراف

فاحني في الكأس جسم كسرى براحٍ ... تبعث الروح منه في الأعطاف

وقول ابن سناء الملك الذي تقدم أكمل في الحسن.

وقوله أيضاً:

بزجاجةٍ دارت وفي جنباتها ... كسرى أنوشروان في إيوانه

خلعت على عطفيه خلعة قهوةٍ ... وسلبتها فغدوت في سلطانه

يعني أنه لبسها بشربه لها فغدا في سلطانه، لما يجده السكران من العزة. كما قال المنخل شاعر الحماسة:

وإذا سكرت فإنني ... ربّ الخورنق والسدير

وإذا صحوت فإنني ... ربّ الشّويهة والبعير

وقول ابن الذروي:

ومصوّرٍ نازعت في ... هـ على المدامة قيصرا

وسلبت منه متوّجا ... حتى رجعت مسوّرا

ومضيت من عقيانه ... ولجينه أغنى الورى

وقول ابن قلاقس أيضاً:

وزجاجةٍ حيّاك منها قيصرٌ ... وكأنما هو في جوانب قصره

ما ألبسته الراح ثوبا مذهبا ... إلا وقلده الحباب بدرّه

وهذا مأخوذ من قول الناشىء، وقد تقدم.

وما أحسن قول أبي فراس.

أغمام ما يدريك كيف قتالنا ... والخيل تحت النقع كالأشباح

نطفو ونرسب في الدماء كأننا ... صور الفوارس في كؤوس الراح

ومما اتفق لي وفيه تورية:

كؤوس المدام تحب الصفا ... فكن لتصاويرها مبطلا

ودعها سواذج من نقشها ... فأحسن ما ذهّبت بالطّلا

وقلت أيضاً مضمنا البيت المشهور، واهتدمت منه ما اهتدمت ليطابق المعنى الذي تخيلته:

ومشمولةٍ قد هام كسرى بكأسها ... فأضحى ينادي وهو فيها مصوّر

وقفت لشوقي من وراء زجاجةٍ ... إلى الراح من فرط الصابة أنظر

وأما قول عنترة في الذباب، فقد زعم مشايخ الأدب أنه من التشبيهات العقم. وقد أخذه ابن الرومي فقال:

وأذكى نسيم الروض ريعان ظله ... وغنّى مغنّي الطير فيه فرجّعا

وغرد ربعيّ الذباب خلاله ... كما حثحثت النّدمان صنجا مشرّعا

فكانت أرانين الذباب هناكم ... على شدوات الطير ضربا موقّعا

وقال ابن عبدون:

ساروا ومسك الدياجي غير منهوب ... وطرّرة الشرق غفلٌ دون تذهيب

على ربى لم يزل شادي الذباب بها ... يلقي بآنق ملفوظٍ ومضروب

وقد أخذه من قول المثقب العبدي يذكر الناقة:

وتستمع الذباب إذا تغنّى ... كتغريد الحمام على الغصون

وقول الأقيشر:

وقد تقوم على رأسي منعّمةٌ ... لها إذا طربت من صوتها غنج

فترفع الصوت أحيانا وتخفضه ... كما يطنّ ذباب الروضة الهزج

وقد أخذ ابن عبدون قوله من قول الأخطل في وصف ثور وحشي. وهو:

فردا يغنيّه ذبان الرياض ... كما غنّى الغواة بصنجٍ عند أسوار

وقال أبو بكر بن سعد البطليوسي:

كأنّ أهازيج الذباب أساقفٌ ... لها من أزاهير الرياض محاريب

<<  <   >  >>