فهذا الجدلُ لا فائدةَ فيه، نحن نقولُ: إنّ مَنِ انتصرَ فهو مؤمنٌ حقًّا، ومَن نصرهُ اللهُ وأورثهُ الديارَ فهو من عبادِ اللهِ الصَّالحينَ، هَذَا الأَصْلُ. ثم إذا طرأتْ أحوالٌ نقول: الله أعلمُ كيف تطوَّرت هَذِهِ الأحوال، ففي الحَقِيقَةِ لَيْسَ فِي هَذَا فائدةٌ، وليست المسألة عَمَلِيَّة نُطَبِّقُها حَتَّى نُحَقِّق كيف نعملُ، فقد قصّ الله علينا فِي هَذِهِ المسألةِ أحوالًا لبني إِسْرَائِيلَ تدلُّ عَلَى أن هَؤُلَاءِ القوم آمنوا وطرأتْ عليهم أحوالٌ، وبالنظرِ إِلَى أحوالهم العامَّة نَعْرِف أن إيمانهم لَيْسَ كإيمان هَذِهِ الأمَّة، وأن هَذِهِ الأمَّة أكملُ فِي إيمانها، وأكملُ عملًا.
فَإِنْ قِيلَ: هل نستنتج من هَذَا أَنَّهُ من الممكنِ أن يكونَ هناك إيمان كامل فِي البدايةِ ثم يَنْقُصُ نقصًا شديدًا إِلَى أن يصلَ إِلَى حدِّ ما وصلوا إليه؟
فالجَواب: هَذَا ممكنٌ، وليس هناك إشكال أن الإيمان حاصل، لكن الَّذِي أشكل أَنَّهُ كيف تطورتِ الأحوالُ إِلَى أن يقولوا:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف: ١٣٨]، وهذا لا يمنع أن بعضهم قال هذا، أو تقلَّبت بهم الأحوالُ، فالله أعلمُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: ما المقصود بالفِرق؟
فالجَواب: الفِرق: الطائفةُ من الماءِ، فصار كل فِرقٍ وقطعة منه مثل الطَّوْد العظيم.
فَإِنْ قِيلَ: ما الغرضُ من ذِكْر عهدِ أسلافهم؟
فالجَوابُ: مِنَ المُمْكِنِ أنَّ اللهَ يُذَكّرهم بِعُيُوبِهِم السابقةِ لَعَلَّهم يَرْتَدِعوا، أو يُذَكِّرهم بهذا لبيانِ أن هَذَا من عادتهم وسَجِيَّتِهِم، فهو بين أمرينِ: