فَإِنْ قِيلَ: المهاجرونَ لَمَّا آمنوا إيمانًا قويًّا، والأنصار لما آمنوا إيمانًا قويًّا ما صار منهم شيْء مثلما حصلَ من بني إِسْرَائِيلَ؟
قلنا: لا نقارنُ بني إِسْرَائِيلَ بهذه الأمَّة، فمسألة المقارنةِ غيرُ واردةٍ؛ لِأَنَّهُ لا سواء، بنو إِسْرَائِيلَ ابْتُلُوا بالحِيتان فلم يَصْبِرُوا وتحيّلوا، وهذه الأمَّة ابتُلوا بالصَّيد وهم مُحْرِمون فصَبَروا، وغيره، وغيره، فلا تقارن إيمان هَذِهِ الأمة بإيمان مَن سبقَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أنا لا أقصدُ المقارنةَ، ولكن أقصدُ أن الإيمان إذا كَانَ جيِّدًا فِي البدايةِ فالغالبُ أَنَّهُ تصرف عنه مثل هَذِهِ الأشياء الخطيرةُ، وإلا فالصغائر أمرها أقل خطرًا.
قلنا: عَلَى كل حالٍ هم حينَذاك لا شكّ أَنَّهُم مؤمنونَ؛ لأنَّهم شاهدوا الإيمان وورثوا الأرض، ولا مانع أن تطرأَ لهم أحوال يتغيَّرون بها.
فَإِنْ قِيلَ: لو لم يكونوا مُؤمِنينَ لَمَا صَبَروا عَلَى أذى فِرْعَوْن حينما قطَّعَ أرجلَهم وأيديَهُمْ من خلافٍ، وهذا دَليلٌ عَلَى قوة إيمانهم العظيمِ.
قلنا: لا، هَؤُلَاءِ السَّحَرَةُ لا شكّ فِي قوة إيمانهم، والسَّحَرَة من آلِ فِرْعَوْن. وهم غير الَّذين ذهبوا مع مُوسَى، فالكَلامُ عَن بني إِسْرَائِيلَ، وبنو إِسْرَائِيل غير السَّحَرَة، فالسَّحَرَة من القِبط من آلِ فِرْعَوْن.
فنقول: الأَصْلُ أن إيمانهم فِي تلكَ الساعةِ قويٌّ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ، وإنَّ النصرَ إنَّما يَسْتَحِقُّه المؤمنونَ، وإنَّما يَرِثُ الأرضَ عبادُ الله الصَّالحون، لكن لا مانعَ من أن تطرأَ أحوالٌ، وتَتَجَدَّد أعمالٌ، فيَنْصَرِفون هم أو بعضهم عن الحقِّ.