أن يكون الخالِقُ أعلى منَ المخلوقِ، وأنْ يكونَ المخلوقُ في قَبْضَتِه، وهذه هي الحكمةُ في قَوْلهِ:{أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ}، ولم يقلْ: إنَّ الله الَّذي خلق السماواتِ والأَرْضَ، مع أن {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر: ٥٧]، لكن لأجلِ أن يُخفِضَ رُءوسَهم أكثر {خَلَقَهُمْ}، فهم بأنفسهم مخلوقون مَرْبُوبُونَ ذَلِيلُونَ.
وكلٌّ منَ القومينِ كذَّبَ نبيَّه، كذب قومُ نوحٍ نوحًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وكذَّب قومُ هودٍ هودًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، معَ أنَّه نَصَحَهُمْ هذه النصيحةَ:{أَلَا تَتَّقُونَ}، وهذا الإسْتِفهامُ إمَّا للتحضيضِ، أو أنه استفهامٌ بمَعْنى التوبيخ، يَعْنِي: يُوَبِّخُهُم على عدم التَّقْوَى.
وقَوْلهُ:{أَلَا تَتَّقُونَ} أيِ اللهَ؛ لأن هذه الجُملة مُخْتَصَرَة، ومعروفٌ أنه كَان يَأْمُرُهُم ويقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.
قَوْلُهُ:{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، أي: مُرْسَلٌ من قِبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقديم {لَكُمْ} يدلُّ على الإختصاصِ، أي: مُرْسَلٌ لكم خاصَّة؛ لأنَّ كلَّ رَسُولٍ يُبْعَثُ إلى قومِهِ فقطْ.
وقَوْلهُ:{أَمِينٌ} أي: ذو أمانة، ائتمنني الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على رسالته.
فإذا قال قائل: هذان الوصفان: {رَسُولٌ أَمِينٌ} مجرَّد دعوى، وهم ينكرونَ أنْ يكونَ رَسولًا أمينًا، بل يقولون: إنه كاذبٌ خائنٌ، فهل بمجرَّد الدعوَى تقومُ عليهم الحجَّةُ؟