للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء: أما بعد، فإنك لا تنال ما تريد إلا بترك ما تشتهي، ولن تبلغ ما تأمل، إلا بالصبر على ما تكره، فليكن قولك ذكراً، وصمتك فكراً، ونظرك عبرة، واعلم أن أعجز الناس من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله، وأن أكيسهم من أتعب نفسه وعمل لما بعد الموت.

قال الحسن البصري: يا معشر الشيوخ! الزرع إذا بلغ ما يصنع به؟ قالوا: يحصد. قال: يا معشر الشباب! كم زرع لم يبلغ قد أدركته آفة.

قال مسلم بن الوليد:

كم رأينا من أناسٍ هلكوا ... فبكى أحبابهم ثم بكوا

تركوا الدنيا لمن بعدهم ... ودهم لو قدموا ما تركوا

كم رأينا من ملوكٍ سوقةٍ ... ورأينا سوقةً قد ملكوا

وقال آخر:

رب قومٍ غبروا من عيشهم ... في نعيمٍ وسرورٍ وغدق

سكت الدهر زمانا عنهم ... ثم أبكاهم دماً حين نطق

وقال آخر:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال فلم تمنعهم القلل

وقال محمود الوراق:

أبقيت مالك ميراثاً لوارثه ... فليت شعري ما أبقى لك المال؟

القوم بعدك في حال تسرهم ... فكيف بعدهم دارت بك الحال

ملوا البكاء فما يبكيك من أحدٍ ... واستحكم القيل في الميراث والقال

مالت بهم عنك دنيا أقبلت لهم ... وأدبرت عنك والأيام أحوال

وقال تميم بن مقبل:

ما أنعم العيش لو أن الفتى حجر ... تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

وكل حصن وإن طالت سلامته ... على دعائمه لابد مهدوم

ومن تعرض للغربان يزجرها ... على سلامته لابد مشئوم

وقال كعب بن زهير:

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته ... يوماً على آلةٍ حدباء محمول

كان عمر بن عبد العزيز يتمثل:

من كان حين تصيب الشمس جبهته ... أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته ... فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا

في قعرٍ مظلمةٍ غبراء موحشةٍيطيل فيها ولا يختارها اللبثا

تجهزي بجهازٍ تبلغين به ... يا نفس واقتصدي لم تخلقي عبثا

وكان يتمثل أيضاً - رحمه الله -:

أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم

فلو كنت يقظان الغداة لحرقت ... مدامع عينيك الدموع السواجم

نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... ونومك ليل والردى لك لازم

يغرك ما يفني وتشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم

وتشغل فيما سوف تكره غبه ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم

وقال محمود الوراق:

أيها الشيخ المعل ... ل نفسه والشيب شامل

والليل يطوي لا يفتر ... والنهار بك المنازل

اعلم بأنك نائم ... فوق الفراش وأنت راحل

يتعاقبان بك الردى ... لا يغفلان وأنت غافل

وقال ابن الكلبي، عن أبيه: خرج النعمان بن المنذر إلى الصيد، ومعه عدي بن زيد، فمر بشجرة، فقال له: أتدري ما تقول هذه الشجرة؟ قال: لا. قال: تقول:

رب ركبٍ قد أناخوا عندنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال

عصف الدهر بهم فانقرضوا ... وكذاك الدهر حالاً بعد حال

قال: ثم مر بمقبرة، فقال له عدي: أتدري أيها الملك ما تقول هذه المقبرة؟ قال: لا. قال: تقول:

أيها الركب المخبون ... على الأرض المجدون

كما أنتم كنا ... كما نحن تكونون

فقال النعمان: قد علمت أن الشجرة والمقبرة لم يتكلما، وإنما أردت موعظتي، فما السبيل الذي تدرك به النجاة؟ قال: تدع عبادة الأوثان، وتعبد الله، وتدين بدين المسيح. قال: فتنصر يومئذ.

ولعدي بن زيد:

كفى واعظاً للمرء أيام دهره ... تروج له بالواعظات وتغتدي

قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم المدني: عظني. فقال: عظم ربك أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك.

<<  <   >  >>