للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مواعظ بعض العرب: كل من ازداد نقص، وكل من أقام ظعن وشخص، ولو كان يميت الناس الداء أعاشهم الدواء.

وأنشد أبو العباس المبرد:

تصرفت طورا كي أرى كل عبرةٍ ... وكان الصبا مني جديداً فأخلقا

فما ازداد شيء قط إلا لنقصه ... وما اجتمع الإلفان إلا تفرقا

وقال محمود الوراق:

أراني في انتقاصٍ كل يومٍ ... ولا يبقى مع النقصان شيء

طوى العصران ما نشراه مني ... فأخلق جدتي نشر وطي

فإن أك قد فنيت ومات بعضي ... فإن الحرص باقٍ في حي

عصيت الرشد إذ أدعى إليه ... وملك طاعتي ضعف وعي

وقال عمرو بن هند:

نعلل والأيام تنقص عمرنا ... كما تنقص النيران من طرف الوقد

وقال محمود الوراق:

إن عيشاً إلى الممات مصيره ... لحقيق ألا يدوم سروره

وسرور يكون آخره المو ... ت سواء قليله وكثيره

ويروي: طويلة وقصيرة.

كان يزيد الرقاشي يتمثل كثيراً بهذا البيت:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل

روى من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، قال: ما من أهل بيتٍ إلا وملك الموت يأتيهم، فمن وجده قد انقضى أجله قبض روحه، فإذا بكى أهله قال: لم تبكون، ولم تجزعون؟ والله ما نقصت لكم عمرا، ولا حبست عنكم رزقاً، ومالي ذنب، وإن لي فيكم لعودة ثم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد.

قال أبو الدرداء في خطبة خطبها بدمشق: مالي أراكم تجمعون مالا تأكلون، وتبنون مالا تسكنون، وتأملون مالا تدركون، إن من كان قبلكم جمعوا كثيراً وبنوا شديداً وأملوا بعيداً، فأصبح جميعهم بوراً ومنازلهم قبوراً، وأملهم غروراً، هذه منازل عاد وثمود بين قطري الأرض ما يسرني أنها لي بدرهمين.

وجد مكتوباً في حجر: ابن آدم! لو رأيت يسير ما بقى من أجلك؛ لزهدت في طول ما ترجوه من أملك، وإنما يلقاك ندمك، لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وانصرف عنك القريب وودعك الحبيب، ثم صرت تدعى فلا تجيب، فلا أنت في عملك بزائد، ولا إلى أهلك بعائد؛ فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة، وقبل الحسرة والندامة.

قال محمود الوراق:

يا ناظراً يرنو يعيني رافد ... ومشاهداً للأمر غير مشاهد

منتك نفسك ضلة فأجبتها ... طرق السفاهة فعل غير الراشد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجى ... فوز الجنان ونيل أجر العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما ... منها إلى الدنيا بذنبٍ واحد

وجد حجر في بئر باليمامة، وهي بئر طسم وجديس، في قرية يقال لها معتق مكتوب فيه:

يا أيها الناس سيروا إن قصركم ... أن تصبحوا ذات يومٍ لا تسيرونا

حثوا المطى وأرخوا في أزمتها ... قبل الممات وقضوا ما تقضونا

كنا أناساً كما كنتم فغيرنا ... دهر، فأنتم كما كنا تكونونا

قال عبد الله بن ثعلبة: أمسك مذموم منك، ويومك غير محمودٍ لك، وغدك غير مأمون عليك.

ومما أنشده ابن أبي الدنيا - رحمه الله -:

قل للمؤمل إن الموت في أثرك ... وليس يخفي عليك الموت في نظرك

فيمن مضى لك إن فكرت معتبر ... ومن يمت كل يوم فهو من نذرك

دار تسافر منها في غدٍ سفراً ... ولا تؤوب إذا سافرت من سفرك

تضحى غدا سمراً للذاكرين كما ... كان الذين مضوا بالأمس من سمرك

قال علي بن أبي طالب: يا ابن آدم! لا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي قد أنى، فإنه إن يكن من أجلك أتى الله فيه برزقك، واعلم أنك إن تكسب شيئاً فوق قوتك إلا كنت خازناً لغيرك.

قال بعض الحكماء: الأيام ثلاثة، فأمس صديق مؤدب، أبقى لك عظةً وترك فيك عبرة، واليوم صديق مودع، أتاك ولم تأته، كان عنك طويل الغيبة، وهو عنك سريع الظعن، فخذ لنفسك فيه، وغد لا تدري ما يحدث الله فيه، أمن أهله أنت أم لا.

لأسقف نجران، ويروى لتبع الحميري:

منع البقاء تصرف الشمس ... وطلوعها من حيث لا تمسى

وطلوعها بيضاء صافيةً ... وغروبها صفراء كالورس

<<  <   >  >>