للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكن هناك ضرورة تُلجئ إلى التحاكم إلى القانون الوضعي الذي حكمه التحريم - كما تقدم - لغير الضرورة.

وأما ما يدل على القيد الثاني: معرفة حكم الشرع في النازلة وعدم المطالبة بزيادة، فهو أن المطالبة بزيادة على حكم الشرع ظلم، والظلم حرام، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)} [الأعراف]. ومن أدلة السنة، الحديث القدسي: «إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّمَاً، فَلَا تَظَالَمُوا» (١)، ومن دلائل ذلك: أن المسلم يجب عليه في حالة سلوك الوسيلة المباحة - وهي التحاكم إلى الشرع - ألا يأخذ مال غيره وإن حكم له به الحاكم الشرعي؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأتِينِي الخَصْم، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِك، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِم، فَإِنَّمَا هِي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا، أَوْ لِيَتْرُكهَا» (٢)، فمن باب أولى ألا يبيح له حكم الحاكم غير الشرعي أن يظلم غيره.

ومن دلائل ذلك أيضاً: القاعدة الفقهية (الضرورة تُقَدَّرُ بقدرها) ودلائلها المعروفة؛ ولأن الضرورة أباحت سلوك وسيلة محرمة لاستخلاص الحق ورفع الظلم، ولم تُبِحْ سلوكها لظلم الآخرين وأخذ ما ليس بحق.


(١) صحيح البخاري برقم (٢٤٥٨)، وصحيح مسلم برقم (٢٥٧٧).
(٢) صحيح البخاري برقم (٦٩٦٧) وصحيح مسلم برقم (١٧١٣).

<<  <   >  >>