وَآخر رام تربية هَذَا الْيَتِيم فَأدْخلهُ بَيته سَاعَة من نَهَار فَأعْطَاهُ كسرة خبز وشيئا من عِنَب ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ وأقامه على قَارِعَة الطَّرِيق فَإِذا أدْرك هَذَا الْيَتِيم مدرك الرِّجَال قل مَا يلْتَفت إِلَى هَذَا وَإِنَّمَا يعرف لَهُ بِقدر مَا رأى من تِلْكَ الكسرات والعناقيد
فَكَذَا من قَرَأَ كَلَام الله عز وَجل فِي كل يَوْم وردا أَو جُزْءا ثمَّ وَضعه فِي نَاحيَة من بَيت وَلم يقم بَين يَدَيْهِ فالقرآن فِي زَمَاننَا كاليتيم الَّذِي لَيْسَ لَهُ مأوى ملقى على قَارِعَة الطَّرِيق لَا يؤبه بِهِ وَلَا يتكفل أحد بتربيته فالمحسن من أهل هَذَا الزَّمَان كمن أَدخل الْيَتِيم فِي بَيته سَاعَة فأطعمه شَيْئا وسقاه ثمَّ أعرض عَنهُ وَترك كفَالَته
فالقرآن إِنَّمَا يلج صدورا طَاهِرَة نقية فَإِذا لم يجد تِلْكَ الصُّدُور فَهُوَ كاليتيم الَّذِي لَا يجد كَفِيلا وَلَا مأوى وَقد قَالَ جلّ ذكره {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب وَيَعْفُو عَن كثير قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين}
قَالَ كتاب مُبين من الله الْحُرُوف الْمُؤَلّفَة الَّتِي تَضَمَّنت الْمعَانِي والنور كسْوَة تِلْكَ الْحُرُوف أهداها رب الْعِزَّة إِلَى هَذِه الْأمة قد تضمنها الْوَحْي حَتَّى أوصلها إِلَى الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتلقتها الأذهان والعقول وأخذتها مِنْهُ قَالَ جلّ ذكره {وَإنَّهُ لتذكرة لِلْمُتقين} فالتذكرة كدفتر حِسَاب يرجع إِلَيْهِ فِي كل يَوْم وَسَاعَة إِذا أصبح ينظر فِيهِ فيدبر أمره من التَّذْكِرَة مِمَّا أحكمه ورده