أما الكتاب الثاني فقد صدر عن الخليفة سليمان المستعين بالله أعلن فيه عقد ولاية العهد لابنه محمد، وذلك في منتصف شهر جمادى الآخرة سنة (٤٠٠) هـ (فبراير (١٠١٠) م) وقد جاء في الكتاب أن المستعين نظراً لحرصه الشديد على الأمة فقد اختار لها ابنه محمداً، وقد استخار الله تعالى في هذا الاختيار، وأنه بهذه الاستخارة والاختيار قد أبرأ ذمته من الأمة وأدى الأمانة التي اضطلع بها (١).
وإذا نظرنا إلى كلا الخطابين نجد أنهما متفقان في بعض النقاط، ومختلفان في نقاط أخرى، ففي الخطابين إشارة إلى أن قرار اتخاذ ولي العهد لم يأت إلا بعد الإكثار من استخارة الباري جل وعلا، وأن الخشية من الله تعالى والحرص على مصلحة المسلمين هما الدافع الرئيس لاتخاذ ولي للعهد، وأنه نظراً لتوافر خلال الخير وصفات الرجولة في شخصي عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر ومحمد بن سليمان المستعين، دون غيرهما كل هذا رشحهما لهذا المنصب الهام.
لكن هناك نقاط ميزت أحد الخطابين عن الآخر رغم أن الكاتب واحد هو ابن برد الأكبر، وأن المدة التي تفصل بين الخطابين لا تزيد عن سنة وثلاثة أشهر، ففي الخطاب الأول نجد الدعاء للخليفة هشام بطول البقاء عند ورود اسمه، في حين خلا الخطاب الثاني من هذه المسألة، كما