للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طالباً إنصافه، ويبدو أن الأمير قد أحس بسبب قلة حرسه ومرافقيه، بضعف موقفه أمام هذا المتظلم، ولذا فما كان منه إلا أن استدعى القاضي إليه وأنصف المتظلم، فلما عاد إلى قصره، كلمه بعض رجاله ممن كان يكره كثرة خروجه واختلاطه بالناس، فقال له: "إن هذا الخروج الكثير - أبقى الله تعالى الأمير - لا يجمل بالسلطان العزيز، وإن عيون العامة تخلق تجلته، ولا تؤمن بوادرهم عليه، فليس الناس كما عُهدوا (١) " ومنذ ذلك اليوم ترك الأمير عبد الرحمن الداخل شهود الجنائز وحضور المحافل، وأناب عنه ولده هشام للقيام بذلك (٢).

وبذلك وضع الأمير عبد الرحمن الداخل، لكل من أتى بعده، من أمراء وخلفاء بني أمية رسماً تمسكوا به، وهو عدم الظهور للعامة إلا في مناسبات معينة، فإذا خرج أحدهم، لا يكون ذلك إلا في موكب مهيب، يصعب الاقتراب منه البتة.

ولنا أن نتصور عظم ذلك الموكب، إذ عرفنا أن زرياباً (٣) مغني الأمير عبد الرحمن الأوسط كان يسير في موكب فيه مائة


(١) - نفح الطيب ٣/ ٣٧.
(٢) - المصدر السابق ٣/ ٣٧.
(٣) - أبو الحسن علي بن نافع، اختلف في السبب الذي من أجله أطلق عليه لقب زرياب، كان فصيح اللسان واسع الإلمام بصنعة الغناء والموسيقى، عاش في كنف الأمير عبد الرحمن الأوسط مكرماً معززاً إلى أن توفي قريباً من سنة ٢٣٠ هـ بعد أن ترك أثاراً واضحة في المجتمع الأندلسي بالذات في الحياة الإجتماعية. انظر: العقد الفريد، ٦/ ٣٤ نفح الطيب، ٣/ ١٢٢، ١٢٤، ١٢٥، ١٣٠، ١٤٠ - ١٤٢. جول رووانيت، تاريخ الموسيقى العربية (ترجمة: اسكندر شلقون، المعهد الموسيقي الفرنس، د. ت). ١/ ١٣٣ - ١٣٧. د. محمود حنفي، زرياب موسيقار الأندلس، (الدار المصرية للتأليف والترجمة، د. ت.) ص ٩ - ١٠، ٤٥، ٨٧، ٩٠، ١٠٨ - ١١٠. د. عبد الرحمن الحجي، تاريخ الموسيقى الأندلسية، (بيروت، دار الرشاد ١٣٨٩ هـ/١٩٦٩ م) ص ٢٥ - ٢٧، ٣٦ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>