وبات فيها، وفي صباح الغد سار إلى منية الناعورة، وأقام بها إلى أن صلى الظهر، وقد نفذ العهد إلى الوزراء وأصحاب الشرطة وطبقات أهل الخدمة والحكام ورجال الدولة بالركوب إليه إلى قصر الناعورة فلما توافوا بها، خرج الخليفة مع ولده هشام يريد قصر قرطبة، وتولى حجابته جعفر بن عثمان وزياد بن أفلح وأصحاب الشرطة العليا مع أكابر الفتيان، وعندما رآه الوزراء وطبقات أهل الخدمة ترجلوا وسلموا عليه وعلى الأمير ولده، ثم ركبوا وترتبوا في الموكب حسب منازلهم، وسار الموكب، فلما وصل الخليفة قرب المصارة، تلقاه بها رجال من كبار قريش، ونفر من وجوه الموالي نزلوا ودعوا ومجدوا، ثم سار الخليفة إلى أن أتى السوق الكبرى بقرطبة، فتلقاه بها صاحب الشرطة والسوق أحمد بن نصر فسلم عليه، وتلقاه بعده بياض أهل قرطبة، ووجوه أهل السوق وغيرهم، مسلمين مبتهجين داعين، وسار الخليفة وأفواج القرطبيين تتلقاه فوجاً بعد فوج من الخاصة والعامة، إلى أن انتهى إلى قصر قرطبة فدخله من باب الجديد القبلي، واختتم الاحتفال بالشعراء الذي أنشدوا قصائدهم بين يدي الخليفة، يحمدون فيها الله تعالى على معافاته للخليفة، ويذكرون له سرورهم واغتباطهم بمشاهدته، ويصفون عظم موكبه وينالون مقابل ذلك الصلات الجزيلة منه (١).
(١) - المقتبس، تحقيق: د. عبد الرحمن الحجي، ص ٢١٢ - ٢١٥.