للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على إتباع الحق، ونشر العدل إذ أن "الظلم مؤذن بخراب العمران (١) " ولا ننسى أنهم كانوا شديدي الحرص على سلامة سمعتهم، ليس فقط بين رعاياهم أو الممالك النصرانية المجاورة، وإنما ألا يصل إلى مسامع العباسيين إلا كل جميل عنهم وعن قضاتهم، يدل على ذلك قصة قاضي الجماعة عمرو بن عبد الله، المتوفى سنة (٢٧٣) هـ (٨٨٦ م) الذي دارت حوله شكوك في قضية مال لأحد الأيتام، فقد أفتى الفقهاء بتحليف القاضي علناً، إلا أن الأمير محمد بن عبد الرحمن أخذ برأي الفقيه بقي بن مخلد، المتوفى سنة (٢٧٦) هـ (٨٨٩ م) الذي قال للأمير: "إن اتصل ببني العباس أنّا نحلف قضاتنا، كان ذلك أعظم ما نعاب به عندهم (٢) ".

وبالمقابل لهذه المساندة التي يقدمها أمراء وخلفاء بني أمية لقضاتهم، نجد الفقهاء يعملون دوماً على تحسين صورة أولئك الحكام أمام رعاياهم، من ذلك مثلاً: العلاقة الوطيدة التي كانت قائمة بين الأمير عبد الرحمن الأوسط والفقيه يحيى بن يحيى الليثي (٣) ت (٢٣٤) هـ (٨٤٨ م) فقد عبر


(١) - مقدمة ابن خلدون، ص ٧٤١.
(٢) - قضاة قرطبة، ص ٨٤.
(٣) - أبو محمد يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شملل بن منقايار قرطبي، بربري مصمودي، مولى بني ليث، ولد سنة ١٥٢ هـ سمع من فقهاء عصره في قرطبة ثم رحل إلى المشرق فسمع من الليث بن سعد ومالك بن أنس وتلاميذه في مصر، ولذلك جمع يحيى فقهه من مدرستي المدينة ومصر المالكيتين، فعاد إلى الأندلس بعلم وفير، وغدا إمام وقته، وعادت الفتيا في الأندلس إليه وتعتبر روايته للموطأ أوسع الروايات انتشارا في المغرب الإسلامي بوجه عام، كان رحمه الله رجلاً عاقلاً، عظيم القدر جليل الذكر، لم ينل أحد من أهل العلم بالأندلس مثل مانال يحيى من الرئاسة والحرمة، وعندما وقع هيج الربض، كان يحيى ممن اتهم فيه، ففر بسبب ذلك إلى طليطلة، فكتب له الأمير الحكم الربضي كتاب أمان، فعاد إلى قرطبة، وعندما تولى الإمارة الأمير عبدالرحمن الأوسط، غدت منزلة يحيى أرفع منزلة رغم رفضه تولي منصب القضاء ومازال في سؤدد حتى وافته المنية، رحمه الله، انظر: ابن الفرضي، ترجمة رقم ١٥٥٦. ترتيب المدارك، ٣/ ٣٧٩ - ٣٩٤. سير أعلام النبلاء، ١٠/ ٥١٩ - ٥٢٥. نفح الطيب، ٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>