للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي عصر الخلافة نجد الخليفة عبد الرحمن الناصر يرضخ لحكم قاضي الجماعة منذر بن سعيد البلوطي، فقد ذكر ابن غالب أن الخليفة أراد شراء دار أيتام زكريا أخي بخدة الحيري، لحظية من نسائه، وكان أولئك الأيتام في حجر القاضي، وكما هو معروف أنه لا يجوز البيع في هذه الحالة إلا عن رأيه ومشورته، ولذا ما إن شعر القاضي أن الخليفة سوف يدفع ثمناً أقل مما يجب في الدار، حتى سارع وأمر الوصي بنقض الدار حيث بيعت الأنقاض بثمن أكثر مما كان الخليفة سيدفعه، وحين اتصل الخبر بالخليفة سأل القاضي عن هذا التصرف، فكان رده {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} (١) فما كان من الخليفة إلا أن استحسن رد القاضي وتصرفه، وقال له: نحن أولى من الانقياد إلى الحق، فجزاك الله عنا وعن أمانتك خيراً (٢) ".

وهكذا يتضح مما سبق - والأمثلة كثيرة - أن سياسة بني أمية مع القضاة كانت تتسم بالاحترام والتأييد والمساندة في إنفاذ أحكامهم، وعدم نقضها، بالرغم من أن بعضها كان لا يوافق رغباتهم. كل هذا حرص منهم


(١) - سورة الكهف الآية رقم ٧٩.
(٢) - فرحة الأنفس، ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>