للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من المستغرب أن يقتدوا به، ويتخلقوا بأخلاقه وحرصوا كل الحرص على أن يسلكوا السبيل الذي اختطه لنفسه (١).

ومن أجل محاولة الوصول إلى الأسباب التي حالت دون تولي الفقيه يحيى الليثي للقضاء يجب أن نتذكر أن رفض الإمام مالك للقضاء جعل العباسيين يرمقونه بنظرة إجلال واحترام، وهي صورة يسعى الكثير من الطلاب لنيلها، ولذا فلا عجب أن يرفض الفقيه يحيى الليثي منصب القضاء، وهو مدرك لمعنى هذا الرفض، إذ أنه نصب نفسه مشرفاً عاماً على القضاء، وذلك عندما قال لرسول الأمير عبد الرحمن بن الحكم عندما ألح عليه في القضاء: "المكان الذي أنا به لما تريدون خير لكم، إنه إذا تظلم الناس من قاض أجلستموني فنظرت عليه، وإن كنت القاضي فتظلم الناس مني، من تجلسون للنظر علي؟ من هو أعلم مني أو من هو دوني في العلم (٢) " وإذا علمنا أن أكبر عدد من القضاة في قرطبة وجد في عهد الأمير عبد الرحمن بن الحكم ٢٠٦ - (٢٣٨) هـ (٨٢٢ - (٨٥٢) م) وأن ذلك كان بسبب الفقيه يحيى الليثي، إذ كان مستشاراً للأمير في تعيين القضاة وعزلهم، ولا يولي الأمير أحداً إلا بمشورته (٣)، كما أن هو الذي يولي مكان القاضي المعزول (٤)، بل لقد بلغ من سلطانه في مجال تعيين القضاة وعزلهم


(١) - سالم الخلف، المرجع السابق، ص ٢٨٥.
(٢) - قضاة قرطبة، ص ٥.
(٣) - ابن القوطية، ص ٥٨.
(٤) - المقتبس، تحقيق: د. محمود مكي، ص ٤٠ - ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>