للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وألهمهم أَن المظنات قَائِمَة مقَام الْأُصُول، وَأَنَّهَا أشباحها وتماثيلها، وَأَنه لَا يُمكن تَكْلِيف الْقَوْم إِلَّا بِتِلْكَ - حصل فِي حَظِيرَة الْقُدس إِجْمَاع مَا على أَنَّهَا هِيَ بِمَنْزِلَة اللَّفْظ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِيقَة الْمَوْضُوع لَهَا، وَالصُّورَة الذهنية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَقِيقَة الخارجية المنتزعة مِنْهَا، وَالصُّورَة التصويرية بِالنِّسْبَةِ إِلَى من انتقشت مكشافا لَهُ، وَالصُّورَة الخطية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَلْفَاظ الْمَوْضُوعَة هِيَ لَهَا، فَإِنَّهُ فِي كل ذَلِك لما قويت العلاقة بَين الدَّال والمدلول، وَحصل بَينهمَا تلازم وتعانق أجمع فِي حيّز مَا من الأحياز أَنه هُوَ، ثمَّ ترشح شبح هَذَا الْعلم أَو حَقِيقَته فِي مدركات

بني آدم عربهم وعجمهم، فاتفقوا عَلَيْهِ، فَلَنْ ترى أحدا إِلَّا ويضمر فِي نَفسه شُعْبَة من ذَلِك، وَرُبمَا سميناه وجودا شَبِيها للمدلول، وَرُبمَا كَانَ لهَذَا الْوُجُود آثَار عَجِيبَة لَا تخفى على المتتبع، وَقد روعي فِي الشَّرَائِع بعض ذَلِك، وَلذَلِك جعلت الصَّدَقَة من أوساخ المتصدقين، وسرت شناعة الْعَمَل فِي الْأُجْرَة، ثمَّ لما بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأيد بِروح الْقُدس، وَنَفث فِي روعه إصْلَاح الْقَوْم، وَفتح لجوهر روحه فج وَاسع إِلَى الهمة القوية فِي بَاب نزُول الشَّرَائِع وصدور الشخوص المثالية، فعزم على ذَلِك أقْصَى عزيمته، ودعا للموافقين، وَلعن على الْمُخَالفين بِجهْد همته، وَأَن هممهم تخترق السَّبع الطباق، وَأَنَّهُمْ يستسقون، وَمَا هُنَالك قزعة سَحَاب، فتنشأ أَمْثَال الْجبَال فِي الْحَال وَأَنَّهُمْ يدعونَ، فيحيى الْمَوْتَى بدعوتهم - تَأَكد انْعِقَاد الرِّضَا والسخط فِي حَظِيرَة الْقُدس، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن إِبْرَاهِيم نبيك وَعَبْدك دَعَا لمَكَّة وَأَنا أَدْعُو للمدينة " الحَدِيث.

ثمَّ إِن هَذَا العَبْد إِذا علم أَن الله تَعَالَى أمره بِكَذَا وَكَذَا، وَأَن الْمَلأ الْأَعْلَى تؤيد النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْمر، وَينْهى، وَعلم أَن إهمال هَذَا والإقدام على ذَلِك اجتراء على الله وتفريط فِي جنب الله، ثمَّ أقدم على الْعَمَل عَن قصد وَعمد، وَهُوَ يرى ويبصر - فَإِن ذَلِك لَا يكون إِلَّا لغاشية عَظِيمَة من الْحجب وانكسار تَامّ للملكية، وَذَلِكَ يُوجب قيام خَطِيئَة بِالنَّفسِ، وَإِذا أقدم على عمل شاق تنجم عَنهُ طَبِيعَته لَا لمراءة النَّاس، بل تقربا من الله وحفظا على مرضياته، فَإِن ذَلِك لَا يكون إِلَّا لغاشية عَظِيمَة من الْإِحْسَان وانكسار تَامّ للبهيمية، وَذَلِكَ يُوجب قيام حَسَنَة بِالنَّفسِ، أما من ترك صَلَاة وَقت من الْأَوْقَات، فَيجب أَن يبْحَث عَنهُ لم تَركهَا؟ وَأي شَيْء حمله على ذَلِك؟ فَإِن نَسِيَهَا، أَو نَام عَنْهَا، أَو جهل وُجُوبهَا، أَو شغل عَنْهَا بِمَا لَا يجد مِنْهُ بدا، فنص الْملَّة أَنه لَيْسَ بآثم، وَإِن تَركهَا وَهُوَ يعلم، ويتذكر،

وَأمره بِيَدِهِ، فَإِن ذَلِك لَا يكون لَا محَالة إِلَّا من حزازة فِي دينه، وغاشية شيطانية أَو نفسانية غشيت بصيرته، وَهُوَ يرجع إِلَى نَفسه، وَأما من صلى صَلَاة، وَخرج عَن عُهْدَة مَا وَجب عَلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>