وسياسة الْأمة لَا تتمّ إِلَّا بِأَن يُؤمر بتعهد النَّفس بعد كل بُرْهَة من الزَّمَان حَتَّى يكون انْتِظَاره للصَّلَاة واستعداده لَهَا من قبل أَن يَفْعَلهَا، وَبَقِيَّة لَوْنهَا وصبابة نورها بعد أَن يَفْعَلهَا فِي حكم الصَّلَاة، فَيتَحَقَّق اسْتِيعَاب اكثر الْأَوْقَات إِن لم يكن اسْتِيعَاب كلهَا، وَقد جربنَا أَن النَّائِم على عَزِيمَة قيام اللَّيْل لَا يتغلغل فِي النّوم البهيمي، وَأَن المتوزع خاطره على ارتفاق دُنْيَوِيّ وعَلى مُحَافظَة وَقت صَلَاة أَو ورد أَلا يفوتهُ - لَا يتجرد للبهيمية، وَهَذَا سر
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " من تعار من اللَّيْل " الحَدِيث وَقَوله تَعَالَى:
{رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله}
وَيصْلح أَن يَجْعَل الْفَصْل بَين كل وَقْتَيْنِ ربع النَّهَار، فَإِنَّهُ يحتوي على ثَلَاث سَاعَات، وَهِي أول حد كَثْرَة للمقدار الْمُسْتَعْمل عِنْدهم فِي تجزئة اللَّيْل وَالنَّهَار عربهم وعجمهم، وَفِي الْخَبَر " أَن أول من جزأ النَّهَار وَاللَّيْل إِلَى السَّاعَات نوح عَلَيْهِ السَّلَام وتوارث ذَلِك بنوه ".
الأَصْل الثَّالِث أَن وَقت أَدَاء الطَّاعَة هُوَ الْوَقْت الَّذِي يكون مذكرا لنعمة من نعم الله تَعَالَى، مثل يَوْم عَاشُورَاء نصر الله تَعَالَى فِيهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على فِرْعَوْن فصامه، وَأمر بصيامه، وكرمضان نزل فِيهِ الْقُرْآن، وَكَانَ ذَلِك ابْتِدَاء ظُهُور الْملَّة الإسلامية، أَو مذكراً لطاعة أَنْبيَاء الله تَعَالَى لرَبهم، وقبوله أياها مِنْهُم كَيَوْم الْأَضْحَى يذكر قصَّة ذبح إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وفدائه بِذبح عَظِيم،