وَالْغَصْب يُنبئ عَن غَلَبَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَظْلُوم جهرة مُعْتَمدًا على جدل أَو ظن أَلا ترفع الْقَضِيَّة إِلَى الْوُلَاة، أَو لَا ينْكَشف عَلَيْهِم جلية الْحَال، أَو لَا يقضوا بِحَق لنَحْو رشوة، وَقلة المبالاة تقال فِي الشَّيْء التافه الَّذِي جرى الْعرف ببذله والمواساة بِهِ كَالْمَاءِ والحطب، وَالسَّرِقَة تنبئ عَن الْأَخْذ خُفْيَة، فضبط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السّرقَة بِربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم، ليتميز عَن التافه وَقَالَ: " لَيْسَ على خائن وَلَا منتهب وَلَا مختلس قطع " وَقَالَ " لَا قطع فِي ثَمَر مُعَلّق وَلَا فِي حريسة الْجَبَل " يُشِير إِلَى اشْتِرَاط الْحِرْز و، كالرفاهية الْبَالِغَة فَإِنَّهَا مفْسدَة غير مضبوطة، وَلَا متميز مواقع وجودهَا بأمارات ظَاهِرَة يُؤَاخذ بهَا الأداني والأقاصي، وَلَا يشْتَبه على أحد أَن الرَّفَاهِيَة متحققة فِيهَا، مَعْلُوم أَن عَادَة الْعَجم فِي اقتناء المراكب الفارهة والأبنية الشامخة وَالثيَاب الرفيعة والحلي المترفة وَنَحْو ذَلِك من الرَّفَاهِيَة الْبَالِغَة، وَمَعْلُوم أَن الترفه مُخْتَلف باخْتلَاف النَّاس، فترفه قوم تقشف عِنْد الآخرين، وجيد إقليم تافه فِي إقليم آخر، وَمَعْلُوم أَن الارتفاق قد يكون بالجيد وبالرديء وَالثَّانِي لَيْسَ بترفه ... ، والارتفاق بالجيد قد يكون من غير قصد إِلَى جودته، أَو من غير أَن يكون ذَلِك غَالِبا عَلَيْهِ فِي أَكثر أمره، فَلَا يُسمى فِي الْعرف مترفها، فَأطلق الشَّرْع التنبه على مفاسد الرَّفَاهِيَة مُطلقًا، وَخص أَشْيَاء وجدهم لَا يرتفقون بهَا إِلَّا للترفه، وَوجد الترفه بهَا عَادَة فَاشِية فيهم، وَرَأى أهل الْعَصْر من الْعَجم وَالروم كالمجمعين على ذَلِك، فنصبها مَظَنَّة للرفاهية الْبَالِغَة، وحرمها، وَلم ينظر إِلَى الارتفاقات النادرة، وَلَا إِلَى عَادَة الأقاليم الْبَعِيدَة، فتحريم الْحَرِير وأواني الذَّهَب وَالْفِضَّة من هَذَا الْبَاب، ثمَّ أَنه وجد حَقِيقَة الرَّفَاهِيَة اخْتِيَار الْجيد
من كل الارتفاق والأعراض عَن رَدِيئَة، والرفاهية الْبَالِغَة اخْتِيَار الْجيد وَترك الردئ من جنس وَاحِد، وَوجد من الْمُعَامَلَات مَا لَا يقْصد فِيهِ إِلَّا اخْتِيَار الْجيد والإعراض عَن الردئ من جنس وَاحِد اللَّهُمَّ إِلَّا فِي مواد قَليلَة لَا يعبأ بهَا فِي قوانين الشَّرَائِع فَحَرمهَا لِأَنَّهَا كالشبح لِمَعْنى الرَّفَاهِيَة وكالتمثال لَهَا وتحريمها كالمقتضى الطبيعي لكراهته الرَّفَاهِيَة وَإِذا كَانَت مظان الشَّيْء مُحرمَة لأَجله وَجب أَن يحرم شبحه وتمثاله بِالْأولَى، وَتَحْرِيم بيع النَّقْد وَالطَّعَام بجنسهما مُتَفَاضلا مخرج على هَذِه الْقَاعِدَة، وَلم يحرم اشْتِرَاء الْجيد بِالثّمن الغالي لِأَن الثّمن ينْصَرف إِلَى ذَات الْمَبِيع دون وَصفه عِنْد اخْتِلَاف الْجِنْس وَلم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute