للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل بَلَده وشيوخه لِأَنَّهُ أعرف بِصَحِيح أقاويلهم عَن السقيم وأوعى للاصوال الْمُنَاسبَة لَهَا وَقَلبه أميل إِلَى فَضلهمْ وتبحرهم فمذهب عمر وَعُثْمَان وَابْن عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت، وأصحابهم مثل سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهُ كَانَ أحفظهم لقضايا عمر، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَمثل عُرْوَة وَسَالم وَعَطَاء بن يسَار وقاسم وَعبيد الله وَابْن عبد الله وَالزهْرِيّ، وَيحيى بن سعيد وَزيد بن أسلم وَرَبِيعَة - أَحَق بِالْأَخْذِ من غَيره عِنْد أهل الْمَدِينَة لما بَينه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضَائِل الْمَدِينَة، وَلِأَنَّهَا مأوى الْفُقَهَاء وَمجمع الْعلمَاء فِي كل عصر، وَلذَلِك ترى مَالِكًا يلازم محجتهم، وَمذهب عبد الله بن مَسْعُود وَأَصْحَابه، وقضايا على وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ وفتاوى إِبْرَاهِيم، - أَحَق بِالْأَخْذِ عَن أهل الْكُوفَة من غَيره وَهُوَ قَول عَلْقَمَة حِين مَال مَسْرُوق إِلَى قَول زيد بن ثَابت فِي التَّشْرِيك قَالَ: هَل أحد مِنْكُم أثبت من عبد الله؟ فَقَالَ لَا وَلَكِن رَأَيْت زيد بن ثَابت وَأهل الْمَدِينَة يشركُونَ، فَإِن اتّفق أهل الْبَلَد على شَيْء أخذُوا بنواجذه، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي مثله مَالك: السّنة الَّتِي لَا اخْتِلَاف فِيهَا عندنَا كَذَا وَكَذَا، وَإِن اخْتلفُوا أخذُوا بأقواها وأرجحها إِمَّا بِكَثْرَة الْقَائِلين بِهِ أَو لموافقته لقياس قوي، أَو تَخْرِيج من الْكتاب وَالسّنة، وَهُوَ الَّذِي يَقُول فِي مثله مَالك: هَذَا أحسن مَا سَمِعت، فَإِذا لم يَجدوا فِيمَا حفظوا مِنْهُم جَوَاب الْمَسْأَلَة خَرجُوا من كَلَامهم، وتتبعوا الْإِيمَاء والاقتضاء، وألهموا فِي هَذِه الطَّبَقَة التدوين، فدون مَالك وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب بِالْمَدِينَةِ، وَابْن جريج وَابْن عُيَيْنَة بِمَكَّة، وَالثَّوْري بِالْكُوفَةِ، وربيع بن صبيح بِالْبَصْرَةِ. وَكلهمْ مَشوا على هَذَا الْمنْهَج الَّذِي ذكرته، وَلما حج الْمَنْصُور قَالَ لمَالِك: قد عزمت أَن أَمر بكتبك هَذِه

الَّتِي صنفتها، فتنسخ، ثمَّ أبْعث فِي كل مصر من أَمْصَار الْمُسلمين مِنْهَا نُسْخَة، وَآمرهُمْ بِأَن يعملوا بِمَا فِيهَا، وَلَا يتعدوه إِلَى غَيره، فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا تفعل هَذَا فَإِن النَّاس قد سبقت إِلَيْهِم أقاويل، وسمعوا أَحَادِيث، وَرووا رِوَايَات، وَأخذ كل قوم بِمَا سبق إِلَيْهِم، وَأتوا بِهِ من اخْتِلَاف النَّاس، فدع النَّاس وَمَا اخْتَار أهل كل بلد مِنْهُم لأَنْفُسِهِمْ، ويحكى نِسْبَة هَذِه الْقِصَّة إِلَى هَارُون الرشيد، وَأَنه شاور مَالِكًا فِي أَن يعلق الْمُوَطَّأ فِي الْكَعْبَة، وَيحمل النَّاس على مَا فِيهِ، فَقَالَ: لَا تفعل فَإِن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتلفُوا فِي الْفُرُوع، وَتَفَرَّقُوا فِي الْبلدَانِ، وكل سنة مَضَت قَالَ: وفقك الله يَا أَبَا عبد الله حَكَاهُ السُّيُوطِيّ.

وَكَانَ مَالك من أثبتهم فِي حَدِيث الْمَدَنِيين عَن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأوثقهم إِسْنَادًا

<<  <  ج: ص:  >  >>