للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى:

{وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا} الْآيَة.

ثمَّ ورد عَلَيْهِم كثير من صنائعهم كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فِي الْإِبِل السَّائِمَة زَكَاة " فتكلفوا فِي الْجَواب، وأصلوا أَنه لَا يجب الْعَمَل بِحَدِيث غير الْفِقْه إِذا انسد بِهِ بَاب الرَّأْي وخرجوه من صنيعهم فِي ترك حَدِيث الْمُصراة ثمَّ ورد عَلَيْهِم حَدِيث القهقهة وَحَدِيث عدم فَسَاد الصَّوْم بِالْأَكْلِ نَاسِيا، فتكلفوا فِي الْجَواب، وَأَمْثَاله مَا ذكرنَا كَثِيرَة لَا تخفى على المتتبع، وَمن لم يتتبع لَا تكفيه الإطالة فضلا عَن الاشارة، وَيَكْفِيك دَلِيلا على هَذَا قَول الْمُحَقِّقين فِي مَسْأَلَة لَا يجب الْعَمَل بِحَدِيث من اشْتهر بالضبط وَالْعَدَالَة دون الْفِقْه إِذا انسد بَاب الرَّأْي كَحَدِيث الْمُصراة أَن هَذَا مَذْهَب عِيسَى بن إبان، وَاخْتَارَهُ كثير من الْمُتَأَخِّرين، وَذهب الْكَرْخِي وَتَبعهُ الْكثير من الْعلمَاء إِلَى عدم اشْتِرَاط فقه الرَّاوِي لتقدم الْخَبَر على الْقيَاس، قَالُوا: لم ينْقل هَذَا القَوْل عَن أَصْحَابنَا، بل الْمَنْقُول عَنْهُم أَن خبر الْوَاحِد مقدم على الْقيَاس، أَلا ترى أَنهم عمِلُوا بِخَبَر أبي هُرَيْرَة فِي الصَّائِم إِذا أكل أَو شرب نَاسِيا، وَإِن كَانَ مُخَالفا للْقِيَاس حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله: لَوْلَا الرِّوَايَة لَقلت

بِالْقِيَاسِ. ويرشدك أَيْضا اخْتلَافهمْ فِي كثير من التخريجات أخذا من صنائعهم ورد بَعضهم على بعض.

وَمِنْهَا أَنِّي وجدت أَن بَعضهم يزْعم أَن هُنَالك فرْقَتَيْن لَا ثَالِث لَهما، أهل الظَّاهِر، وَأهل الرَّأْي، وَأَن كل من قَاس، واستنبط فَهُوَ من أهل الرَّأْي - كلا وَالله - بل لَيْسَ المُرَاد بِالرَّأْيِ نفس الْفَهم وَالْعقل، فَإِن ذَلِك لَا يَنْفَكّ من أحد من الْعلمَاء، وَلَا الرَّأْي الَّذِي لَا يعْتَمد على سنة أصلا، فانه لَا يَنْتَحِلهُ مُسلم أَلْبَتَّة، وَلَا الْقُدْرَة على الاستنباط وَالْقِيَاس، فان أَحْمد وَإِسْحَق بل الشَّافِعِي أَيْضا لَيْسُوا من أهل الرَّأْي بالِاتِّفَاقِ، وهم يستنبطون ويقيسون، بل المُرَاد من أهل الرَّأْي قوم توجهوا بعد الْمسَائِل الْمجمع عَلَيْهَا بَين الْمُسلمين، أَو بَين جمهورهم إِلَى التَّخْرِيج على أصل رجل من الْمُتَقَدِّمين، فَكَانَ أَكثر أَمرهم حمل النظير على النظير، وَالرَّدّ إِلَى أصل من الْأُصُول دون تتبع الْأَحَادِيث والْآثَار، والظاهري من لَا يَقُول بِالْقِيَاسِ، وَلَا بآثار الصاحبة وَالتَّابِعِينَ كدواد وَابْن حزم، وَبَينهمَا الْمُحَقِّقُونَ من أهل السّنة كأحمد وَإِسْحَاق،

<<  <  ج: ص:  >  >>