وَوقت الشُّرُوع فِي النّوم ليَكُون كَفَّارَة لما مضى وتصقيلا للصدأ، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة كَانَ كقيام نصف اللَّيْل الأول، وَمن صلى الْعشَاء وَالْفَجْر فِي جمَاعَة كَانَ كقيام ليله " وَوقت اشتغالهم كالضحى ليَكُون مهونا للانهماك فِي الدُّنْيَا وترياقا لَهُ، غير أَن هَذَا لَا يجوز أَن يُخَاطب بِهِ النَّاس جَمِيعًا لأَنهم حِينَئِذٍ بَين أَمريْن: إِمَّا أَن يتْركُوا هَذَا أَو ذَاك - وَهَذَا أصل آخر.
وَأَيْضًا لَا أَحَق فِي بَاب تعْيين الْأَوْقَات من أَن يذهب إِلَى الْمَأْثُور من سنَن الْأَنْبِيَاء المقربين من قبل، فَإِنَّهُ كالمنبه للنَّفس على أَدَاء الطَّاعَة تَنْبِيها عَظِيما والمهيج لَهَا على مُنَافَسَة الْقَوْم، والباعث على أَن يكون للصالحين فيهم ذكر جميل، وَهُوَ قَول جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام:" هَذَا وَقت الْأَنْبِيَاء من قبلك ".
لَا يُقَال ورد فِي حَدِيث معَاذ فِي الْعشَاء " وَلم يصلها أحد قبلكُمْ " لِأَن الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة، فَقَالَ بَعضهم: أَن النَّاس صلوا ورقدوا، وَقَالَ بَعضهم وَلَا يُصليهَا أحد إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَنَحْو ذَلِك، فَالظَّاهِر أَنه من قبل الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى وَهَذَا أصل آخر.
وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي تعْيين الْأَوْقَات سر عميق من وُجُوه كَثِيرَة، فتمثل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَصلى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعلمه الْأَوْقَات، وَلما ذكرنَا طهر وَجه مَشْرُوعِيَّة الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجُمْلَة، وَسبب وجود التَّهَجُّد وَالضُّحَى على النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأنبياء على مَا ذكرُوا وَكَونهَا نَافِلَة للنَّاس وَسبب تَأْكِيد أَدَاء الصَّلَوَات على أَوْقَاتهَا، وَالله أعلم.