فَلَمَّا قدم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة، وتوجهت الْعِنَايَة إِلَى تأليف الْأَوْس، والخزرج، وحلفائهم من الْيَهُود، وصاروا هم القائمين بنصرته، وَالْأمة الَّتِي أخرجت للنَّاس، وَصَارَت مُضر وَمَا والاها أعدى أعاديه وَأبْعد النَّاس عَنهُ - اجْتهد، وَحكم باستقبال بَيت الْمُقَدّس؛ إِذْ الأَصْل أَن يُرَاعِي فِي أوضاع القربات حَال الْأمة الَّتِي بعث الرَّسُول فِيهَا، وَقَامَت بنصرته وَصَارَت شُهَدَاء على النَّاس - وَهُوَ الْأَوْس. والخرزج - يَوْمئِذٍ، وَكَانُوا أخضع شَيْء لعلوم الْيَهُود بَينه ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى:
{فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
حَيْثُ قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار، وهم أهل وثن، مَعَ هَذَا الْحَيّ من الْيَهُود، وهم أهل الْكتاب، فَكَانُوا يرَوْنَ لَهُم فضلا عَلَيْهِم فِي الْعلم، فَكَانُوا يقتدون بِكَثِير من فعلهم " الحَدِيث، وَأَيْضًا الأَصْل أَن تكون الشَّرَائِع مُوَافقَة لما عَلَيْهِ الْملَل الحقة مَا لم تكن من تحريفات الْقَوْم وتعمقاتهم، ليَكُون أتم لإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، وَأَشد لطمأنينة قُلُوبهم، وَالْيَهُود هم القائمون بِرِوَايَة الْكتاب السماوي وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ، ثمَّ أحكم الله آيَاته وأطلع نبيه على مَا هُوَ أوفق بِالْمَصْلَحَةِ من هَذَا وأقعد بقوانين التشريع بالنفث فِي روعه أَولا، فَكَانَ يتَمَنَّى أَن يَأْمر باستقبال الْكَعْبَة، وَكَانَ يقلب وَجهه فِي السَّمَاء طَمَعا أَن يكون جِبْرَائِيل نزل بذلك، وَبِمَا أنزل فِي الْقُرْآن الْعَظِيم. ثَانِيًا، وَذَلِكَ لِأَن النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث فِي الْأُمِّيين الآخذين بالملة الإسماعيلية، وَقدر الله فِي سَابق علمه أَنهم هم القائمون بنصرة دينه، وهم شُهَدَاء الله على النَّاس من بعده، وهم خلفاؤه فِي أمته، وَأَن الْيَهُود لَا يُؤمن مِنْهُم إِلَّا شرذمة قَليلَة، والكعبة من شَعَائِر الله عِنْد الْعَرَب أذعن لَهَا أقاصيهم وأدانيهم، وَجَرت السّنة عِنْدهم باستقبالها شَائِعا ذائعا، فَلَا معنى للعدول عَن ذَلِك.
وَلما كَانَ اسْتِقْبَال الْقبْلَة شرطا - إِنَّمَا أُرِيد بِهِ تَكْمِيل الصَّلَاة، وَلَيْسَ شرطا - لَا يَتَأَتَّى أصل فَائِدَة الصَّلَاة إِلَّا بِهِ تَلا - رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَن تحرى فِي لَيْلَة مظْلمَة وَصلى لغير الْقبْلَة قَوْله تَعَالَى:
{فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} .
يومى إِلَى أَن صلَاتهم جَائِزَة للضَّرُورَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute