حسب اعْتِقَاده، فَإِذا قصر انقلبت علومه عَلَيْهِ ضارة مظْلمَة، فَلم تقبل طاعاته لهنة فِي نَفسه، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الدّين يسر وَلنْ يشاد الدّين أحد إِلَّا غَلبه "
فلهذه الْمعَانِي عزم النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمته أَن يقتصدوا فِي الْعَمَل، أَلا يجاوزوا إِلَى حد يُفْضِي إِلَى ملال واشتباه فِي الدّين أَو إهمال الارتفاقات، وَبَين تِلْكَ الْمعَانِي تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أحب الْأَعْمَال إِلَى الله أدومها وَإِن قل "
أَقُول: وَذَلِكَ لِأَن إدامتها والمواظبة عَلَيْهَا آيَة كَونه رَاغِبًا فِيهَا، وَأَيْضًا فَالنَّفْس لَا تقبل أثر الطَّاعَة، وَلَا تتشرب فائدتها إِلَّا بعد مُدَّة ومواظبة واطمئنان بهَا ووجدان أَوْقَات تصادف من النَّفس فراغا بِمَنْزِلَة الْفَرَاغ الَّذِي يكون سَببا لانطباع الْعُلُوم من الْمَلأ الْأَعْلَى فِي رُؤْيَاهُ، وَذَلِكَ غير مَعْلُوم الْقدر، فَلَا سَبِيل إِلَى تَحْصِيل ذَلِك إِلَّا الإدامة والإكثار،
وَهُوَ قَول لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: وعود نَفسك كَثْرَة الاسْتِغْفَار، فَإِن الله سَاعَة لَا يرد فِيهَا سَائِلًا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خُذُوا من الْأَعْمَال مَا تطيقون، فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا " أَي لَا يتْرك الإثابة إِلَّا عِنْد ملالهم، فَأطلق الملال مشاكلة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن أحدكُم إِذا صلى وَهُوَ ناعس لَا يدْرِي لَعَلَّه يسْتَغْفر، فيسب نَفسه ".
أَقُول: يُرِيد أَنه لَا يُمَيّز بَين الطَّاعَة وَغَيرهَا من شدَّة الملال، فَكيف يتَنَبَّه بِحَقِيقَة الطَّاعَة.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فسددوا " يَعْنِي خُذُوا طَريقَة السداد، وَهِي التَّوَسُّط الَّذِي يُمكن مراعاته والمواظبة عَلَيْهِ " وقاربوا " يَعْنِي لَا تظنوا أَنكُمْ بعداء لَا تصلونَ إِلَّا بِالْأَعْمَالِ الشاقة " وَأَبْشِرُوا " يَعْنِي حصلوا الرَّجَاء والنشاط " وَاسْتَعِينُوا بالغدوة والروحة وَشَيْء من الدلجة " هَذِه الْأَوْقَات أَوْقَات نزُول الرَّحْمَة وصفاء لوح الْقلب من أَحَادِيث النَّفس، وَقد ذكرنَا من ذَلِك فصلا.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من نَام عَن حزبه، أَو عَن شَيْء مِنْهُ فقرأه فِيمَا بَين صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر كتب لَهُ كإنما قَرَأَهُ من اللَّيْل ".
أَقُول: السَّبَب الْأَصْلِيّ فِي الْقَضَاء شَيْئَانِ: أَحدهمَا أَلا تسترسل النَّفس بترك الطَّاعَة، فيعتاده، ويحسر عَلَيْهِ إلتزامها من بعد، وَالثَّانِي أَن يخرج عَن الْعهْدَة، وَلَا يضمر أَنه فرط فِي جنب الله، فيؤاخذ عَلَيْهِ من حَيْثُ يعلم أَو لَا يعلم.