للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقرءوا على مَوْتَاكُم (يس) أَقُول: هَذَا غَايَة الْإِحْسَان بالمختصر

بِحَسب صَلَاح معاده، وَإِنَّمَا خص " لَا إِلَه إِلَّا الله " لِأَنَّهُ أفضل الذّكر مُشْتَمل على التَّوْحِيد وَنفي الْإِشْرَاك، وأنوه أذكار الْإِسْلَام، و (يس) لِأَنَّهُ قلب الْقُرْآن، وسيأتيك، لِأَنَّهُ مِقْدَار صَالح للعظة.

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا من مُسلم تصيبه مُصِيبَة، فَيَقُول مَا أَمر الله:

{إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} .

اللَّهُمَّ أجرني فِي مصيبتي واخلف لي خيرا مِنْهَا إِلَّا أخلف الله لَهُ خيرا مِنْهَا " أَقُول: ذَلِك ليتذكر الْمُصَاب مَا عِنْد الله من الْأجر، وَمَا الله قَادر عَلَيْهِ من أَن يخلف عَلَيْهِ خيرا لتتخفف موجدته.

قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذا حضرتم الْمَيِّت، فَقولُوا خيرا " كَقَوْلِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة وَرفع دَرَجَته " الحَدِيث أَقُول: كَانَ من عَادَة النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة أَن يدعوا على أنفسهم، وَعَسَى أَن، يتَّفق سَاعَة الْإِجَابَة، فيستجاب، فبدل ذَلِك بِمَا هُوَ أَنْفَع لَهُ وَلَهُم، وَأَيْضًا فَهَذِهِ هِيَ الصدمة الأولى، فَيسنّ هَذَا الدُّعَاء ليَكُون وَسِيلَة إِلَى التَّوَجُّه تِلْقَاء الله.

قَالَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنَته: اغسلنها وترا، ثَلَاثًا أَو خمْسا. أَو سبعا بِمَاء وَسدر، واجعلن فِي الْآخِرَة كافورا، وَقَالَ: ابدأن بميامنها ومواضع الْوضُوء مِنْهَا أَقُول: الأَصْل فِي غسل الْمَوْتَى أَن يحمل على غسل الْأَحْيَاء لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَعْمِلهُ فِي حَيَاته وَهُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الغاسلون

فِي أنفسهم فَلَا شَيْء فِي تكريم الْمَيِّت مثله، وَإِنَّمَا أَمر بالسدر وَزِيَادَة الغسلات لِأَن الْمَرَض مَظَنَّة الأوساخ والرياح المنتنة، وَإِنَّمَا أَمر بالكافور فِي الْآخِرَة لِأَن من خاصيته أَلا يسْرع التَّغَيُّر فِيمَا اسْتعْمل، وَيُقَال: من فَوَائده أَنه لَا يقرب مِنْهُ حَيَوَان مؤذ، وَإِنَّمَا بُدِئَ بالميامن ليَكُون غسل الْمَوْتَى بِمَنْزِلَة غسل الْأَحْيَاء، وليحصل إكرام هَذِه الْأَعْضَاء، وَإِنَّمَا جرت السّنة فِي الشَّهِيد أَلا يغسل، ويدفن فِي ثِيَابه ودمائه تنويها بِمَا فعل، وليتمثل صُورَة بَقَاء عمله بادى الرَّأْي، وَلِأَن النُّفُوس البشرية إِذا فَارَقت أجسادها بقيت حساسة عَالِمَة بأنفسها وَيكون بَعْضهَا مدْركا لما يفعل بهَا فَإِذا أُبْقِي أثر عمل مثل هَذِه كَانَ إِعَانَة فِي تذكر الْعَمَل وتمثله عِنْدهَا، وَهَذَا قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " جروحهم تدمي اللَّوْن لون دم وَالرِّيح ريح مسك " وَصَحَّ فِي الْمحرم أَيْضا " كفنوه فِي ثوبيه، وَلَا تمسوه بِطيب، وَلَا تخمروا رَأسه، فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبيا " فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>