قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من قبلكُمْ " الحَدِيث، وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن الصَّدَقَة لتطفي غضب الرب "، وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِن الصَّدَقَة تُطْفِئ الْخَطِيئَة كَمَا يُطْفِئ المَاء النَّار "، وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِن الله يقبلهَا بِيَمِينِهِ، ثمَّ يُرَبِّيهَا لصَاحِبهَا " الحَدِيث أَقُول: سر ذَلِك كُله أَن دَعْوَة الْمَلأ الْأَعْلَى إصْلَاح حَال بني آدم وَالرَّحْمَة بِمن يسْعَى فِي إصْلَاح الْمَدِينَة أَو فِي تَهْذِيب نَفسه إِلَى تَنْصَرِف هَذَا الْمُنفق، فتورث تلقي عُلُوم الْمَلأ السافل وَبني آدم أَن يحسنوا إِلَيْهِ، وَيكون سَببا لمغفرة خطاياه، وَمعنى يتقبلها أَن تتمثل صُورَة الْعَمَل فِي الْمِثَال منسوبة إِلَى صَاحبهَا فتنسبغ هُنَالك بدعوات الْمَلأ الْأَعْلَى وَرَحْمَة الله بِهِ، أَو فِي الْآخِرَة، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صَفَائِح ".
وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثل لَهُ شجاعا أَقرع " وَقَوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم قَرِيبا من ذَلِك - أَقُول: السَّبَب الْبَاعِث على كَون جَزَاء مَانع الزَّكَاة على هَذِه الصّفة شيآن: أَحدهمَا أصل، الثَّانِي كالمؤكد لَهُ، وَذَلِكَ أَنه كَمَا أَن الصُّورَة الذهنية تجنب صُورَة أُخْرَى كسلسلة أَحَادِيث النَّفس الجالب بَعْضهَا بَعْضًا، وكما أَن حُضُور صُورَة متضايف فِي الذِّهْن يَسْتَدْعِي حُضُور صُورَة متضايف آخر كالبنوة والأبوة، وكما أَن امتلاء أوعية المنى بِهِ وثوران بخاره فِي القوى الفكرية يهز النَّفس لمشاهدة صور النِّسَاء فِي الْحلم، وكما أَن امتلاء الأوعية ببخار ظلماني يهيج فِي النَّفس صور الْأَشْيَاء المؤذية الهائلة - كالفيل - مثلا، فَكَذَلِك المدارك تَقْتَضِي بطبيعتها إِذا أفيضت قُوَّة مثالية على النَّفس أَن يتَمَثَّل بخلها بالأموال ظَاهرا سابغا، وَأَن يجلب ذَلِك تميل مَا بخل بِهِ وتعانى فِي حفظه، وامتلأت قواه الفكرية بِهِ أَيْضا ظَاهرا سابغاً يتألم مِنْهُ حَسْبَمَا جرت سنة الله أَن يتألم مِنْهَا، فَمن الذَّهَب وَالْفِضَّة الكى، وَمن الْإِبِل الْوَطْء والعض، وعَلى هَذَا الْقيَاس.
وَلما كَانَ الْمَلأ الْأَعْلَى علمُوا ذَلِك، وانعقد فِي وجوب الزَّكَاة عَلَيْهِم، وتمثل عِنْدهم تأذي النُّفُوس البشرية بهَا - كَانَ ذَلِك معدا لفيضان هَذِه الصُّورَة فِي موطن الْحَشْر، وَالْفرق بَين تمثله شجاعا. وتمثله صَفَائِح، أَن الأول فِيمَا يغلب عَلَيْهِ حب المَال إِجْمَالا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute