غير محصورة وَلَيْسَ فِي بَيت المَال فِي الْبِلَاد الْخَالِصَة للْمُسلمين غير الزَّكَاة كثير مَال، فَلَا بُد من توسعه لتكفي نَوَائِب الْمَدِينَة وَالله أعلم.
قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِن هَذِه الصَّدقَات إِنَّمَا هِيَ من أوساخ النَّاس وَأَنَّهَا لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل مُحَمَّد " أَقُول: إِنَّمَا كَانَت أوساخا لِأَنَّهَا تكفر الْخَطَايَا، وتدفع الْبلَاء، وَتَقَع فدَاء عَن العَبْد فِي ذَلِك، فيتمثل فِي مدارك الْمَلأ الْأَعْلَى أَنَّهَا هِيَ كَمَا يتَمَثَّل فِي الصُّورَة الذهنية واللفظية والخطية أَنَّهَا وجودات للشَّيْء الْخَارِجِي الَّذِي جعلت بإزائه، وَهَذَا يُسمى عندنَا بالوجود التشبيهي، فتدرك بعض النُّفُوس الْعَالِيَة أَن فِيهَا ظلمَة، وَينزل الْأَمر إِلَى بعض الأحياز النَّازِلَة. وَقد يُشَاهد أهل المكاشفة تِلْكَ الظلمَة أَيْضا، وَكَانَ سيدى الْوَالِد قدس سره يَحْكِي ذَلِك من نَفسه كَمَا قد يكره أهل الصّلاح ذكر الزِّنَا وَذكر الْأَعْضَاء الخبيثة، وَيُحِبُّونَ ذكر الْأَشْيَاء الجميلة، ويعظمون اسْم الله، وَأَيْضًا فَإِن المَال الَّذِي يَأْخُذهُ الْإِنْسَان من غَيره مُبَادلَة عين أَو نفع وَلَا يُرَاد بِهِ احترام وَجهه فِيهِ ذلة ومهانة، وَيكون لصَاحب المَال عَلَيْهِ فضل وَمِنْه، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى " فَلَا جرم أَن التكسب بِهَذَا النَّوْع شَرّ وُجُوه المكاسب لَا يَلِيق بالمظهرين والمنوه بهم فِي الْملَّة، وَفِي هَذَا الحكم سر آخر وَهُوَ أَنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِن أَخذهَا لنَفسِهِ، وَجوز أَخذهَا لخاصته وَالَّذين يكون نفعهم بِمَنْزِلَة نَفعه - كَانَ مَظَنَّة أَن يظنّ الظانون، وَيَقُول الْقَائِلُونَ فِي حَقه مَا لَيْسَ بِحَق فَأَرَادَ أَن يسد هَذَا الْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ، ويجهر بِأَن مَنَافِعهَا رَاجِعَة إِلَيْهِم، وَإِنَّمَا تُؤْخَذ من أغنيائهم وَترد على فقرائهم رَحْمَة بهم وحدبا عَلَيْهِم وتقريبا لَهُم من الْخَيْر وإنقاذا لَهُم من الشَّرّ.