للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُول: إِنَّمَا توجه يَوْم التَّرويَة ليَكُون أرْفق بِهِ وَمِمَّنْ مَعَه، فَإِن النَّاس مجتمعون فِي ذَلِك الْيَوْم اجتماعا عَظِيما، وَفِيهِمْ الضَّعِيف والسقيم، فاستحب الرِّفْق بهم، وَلم يدْخل عَرَفَة قبل وَقتهَا لِئَلَّا يتخذها النَّاس سنة، ويعتقدوا أَن دُخُولهَا فِي غير وَقتهَا قربَة.

فَلَمَّا زاغت الشَّمْس بنمرة أَمر بالقصواء فرحلت لَهُ، فَأتى بطن

الْوَادي، فَخَطب النَّاس، وَحفظ من خطبَته يَوْمئِذٍ " إِن دماءكم حرَام " الخ، ثمَّ أذن بِلَال، ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر، وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا.

أَقُول: إِنَّمَا خطب يَوْمئِذٍ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي يحْتَاج النَّاس إِلَيْهَا، وَلَا يسعهم جهلها لِأَن الْيَوْم يَوْم اجْتِمَاع، وَإِنَّمَا تنتهز مثل هَذِه الفرصة لمثل هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي يُرَاد تبليغها إِلَى جُمْهُور النَّاس، وَإِنَّمَا جمع بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء لِأَن للنَّاس يَوْمئِذٍ اجتماعا لم يعْهَد فِي غير هَذَا الموطن، وَالْجَمَاعَة الْوَاحِدَة الْمَطْلُوبَة، وَلَا بُد من إِقَامَتهَا فِي مثل هَذَا الْجمع ليراه جَمِيع من هُنَالك وَلَا يَتَيَسَّر اجْتِمَاعهم فِي وَقْتَيْنِ، وَأَيْضًا فَلِأَن للنَّاس اشتغالا بِالذكر وَالدُّعَاء وهما وَظِيفَة هَذَا الْيَوْم ورعاية الْأَوْقَات وَظِيفَة جَمِيع السّنة، وَإِنَّمَا يرجح فِي مثل هَذَا الشَّيْء البديع النَّادِر.

ثمَّ ركب حَتَّى أَتَى الْموقف، واستقبل الْقبْلَة، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس، وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا، ثمَّ دفع.

أَقُول: إِنَّمَا دفع بعد الْغُرُوب ردا لتحريف الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُم كَانُوا لَا يدْفَعُونَ إِلَّا قبل الْغُرُوب، وَلِأَن قبل الْغُرُوب غير مضبوط وَبعد الْغُرُوب أَمر مضبوط، وَإِنَّمَا يُؤمر فِي مثل ذَلِك الْيَوْم بِالْأَمر المضبوط.

ثمَّ دفع حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة، فصلى بهَا الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا، ثمَّ اضْطجع حَتَّى طلع الْفجْر، فصلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح بِأَذَان وَإِقَامَة، ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام، فَاسْتقْبل الْقبْلَة، فَدَعَا الله، وَكبره، وَهَلله، وَوَحدهُ، فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدا فَدفع قبل أَن تطلع الشَّمْس حَتَّى أَتَى بطن محسر، فحرك قَلِيلا.

أَقُول: إِنَّمَا لم يتهجد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَة مُزْدَلِفَة لِأَنَّهُ كَانَ لَا يفعل كثيرا من الْأَشْيَاء المستحبة فِي المجامع لِئَلَّا يتخذها النَّاس سنة، وَقد ذكرنَا سر الْوُقُوف بالمشعر

<<  <  ج: ص:  >  >>