للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعافس الْأزْوَاج والضيعات ينسى كثيرا، وَيبقى كَأَنَّهُ فقد مَا كَانَ وجد، ويسدل حجاب بَينه وَبَين مَا كَانَ بمرأى مِنْهُ وَهَذِه الْخصْلَة تدعوا إِلَى النَّار وَإِلَى كل شَرّ، وَفِي كل من ذَلِك ترة وَإِذا اجْتمعت الترات لم يكن بسبيل إِلَى النجَاة، وَقد عالج النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِه الترات بأتم علاج، وَذَلِكَ أَن شرع فِي كل حَالَة ذكرا مناسبا لَهُ ليَكُون ترياقا دافعا لسم الْغَفْلَة، فنبه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فَائِدَة هَذِه الْأَذْكَار وعَلى عرُوض الترات بِدُونِهَا.

وَاعْلَم أَنه مست الْحَاجة إِلَى ضبط أَلْفَاظ الذّكر صونا لَهُ من أَن يتَصَرَّف فِيهِ متصرف بعقله الأبتر، فيلحد فِي أَسمَاء الله، أَو لَا يعْطى الْمقَام حَقه، وعمدة مَا سنّ فِي هَذَا الْبَاب عشرَة أذكار فِي كل وَاحِد سر لَيْسَ فِي غَيره، وَلذَلِك سنّ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل موطن أَن يجمع بَين ألوان مِنْهَا.

وَأَيْضًا فالوقوف على ذكر وَاحِد يَجعله لقلقَة اللِّسَان فِي حق عَامَّة الْمُكَلّفين، والانتقال من بَعْضهَا إِلَى بعض يُنَبه النَّفس، ويوقظ الْوَسْنَان.

مِنْهَا سُبْحَانَ الله، وَحَقِيقَته تَنْزِيه عَن الأدناس والعيوب والنقائص.

وَمِنْهَا الْحَمد لله، وَحَقِيقَته إِثْبَات الكمالات والأوصاف التَّامَّة لَهُ، فَإِذا اجتمعتا فِي كلمة وَاحِدَة كَانَت أفْصح تَعْبِير عَن معرفَة الْإِنْسَان بربه لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يعرفهُ إِلَّا من جِهَة إِثْبَات ذَات يسلب عَنْهَا مَا نشاهده فِينَا من النقائص، وَيثبت لَهَا مَا نشاهده فِينَا من جِهَات الْكَمَال من جِهَة كَونه كمالا، فَإِذا اسْتَقَرَّتْ صُورَة هَذَا الذّكر فِي الصَّحِيفَة ظَهرت هُنَاكَ هَذِه الْمعرفَة تَامَّة كَامِلَة عِنْدَمَا يقْضى بسبوغها، فَيفتح بَابا عَظِيما من الْقرب، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: التَّسْبِيح نصف الْمِيزَان وَالْحَمْد الله يملؤه " وَلِهَذَا كَانَت كلمة سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كلمة خَفِيفَة على اللِّسَان ثَقيلَة فِي الْمِيزَان حَبِيبَة إِلَى الرَّحْمَن، وَمن يَقُولهَا: غرست لَهُ نَخْلَة، وَورد فِيمَن يَقُولهَا مائَة حطت عَنهُ خطاياه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر، وَلم يَأْتِ أحد يَوْم الْقِيَامَة بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أحد قَالَ: مثل ذَلِك أَو وَزَاد عَلَيْهِ، وَهِي أفضل الْكَلَام اصطفاه الله لملائكته.

وَأما سر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الَّذين يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء " فَهُوَ أَن عَمَلهم ثبوتي منبعث من القوى الثبوتية، وَأَهْلهَا أحظى النَّاس بنعيم الْجنان.

وسر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: أفضل الدُّعَاء الْحَمد لله " أَن الدُّعَاء على قسمَيْنِ كَمَا سنذكر، وَالْحَمْد لله يفيدهما جَمِيعًا، فَإِن الشُّكْر يزِيد النِّعْمَة وَلِأَنَّهَا معرفَة ثبوتية.

وسر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: الْحَمد لله رَأس الشُّكْر " أَن الشُّكْر يَتَأَتَّى بِاللِّسَانِ والجنان والأركان، وَاللِّسَان أفْصح من ذَيْنك.

<<  <  ج: ص:  >  >>