{إِن الَّذين اتَّقوا إِذا مسهم طائف من الشَّيْطَان تَذكرُوا فَإِذا هم مبصرون} .
أَقُول: الشَّيْطَان يشرف على بَاطِن الْإِنْسَان من قبل كوَّة شَهْوَة النَّفس، فَيدْخل عَلَيْهِ دَاعِيَة الْمعْصِيَة، فَإِن تذكر جلال ربه، وخشع لَهُ تولد مِنْهُ نور فِي الْعقل، وَهُوَ الإبصار، ثمَّ ينحدر إِلَى الْقلب وَالنَّفس، فَيدْفَع الداعية، ويطرد الشَّيْطَان.
قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى:
{وَبشر الصابرين الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون أُولَئِكَ عَلَيْهِم صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة وَأُولَئِكَ هم المهتدون} .
أَقُول: قَوْله تَعَالَى: (إِنَّا لله) إِشَارَة إِلَى نزُول خاطر الْحق، وَقَوله: (صلوَات من رَبهم وَرَحْمَة) إِشَارَة إِلَى بَرَكَات يثمرها الصَّبْر من نورانية النَّفس وتشبهها فِي بالملكوت.
وَقَالَ تَعَالَى.
{وَمَا أصَاب من مُصِيبَة إِلَّا بأذن الله وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} . الْآيَة
أَقُول قَوْله: (باذن الله) إِشَارَة إِلَى معرفَة الْقدر، وَقَوله:
(وَمن يُؤمن بِاللَّه) إِشَارَة إِلَى نزُول الخاطر من الْعقل إِلَى الْقلب وَالنَّفس
وَمن أَحْوَال النَّفس الْغَيْبَة هِيَ أَن تغيب عَن شهواتها كَمَا قَالَ عَامر ابْن عبد الله: مَا أُبَالِي امْرَأَة رَأَيْت أم حَائِطا، وَقيل: للأوزاعي رَأينَا جاريتك الزَّرْقَاء فِي السُّوق، فَقَالَ: أفزرقاء هِيَ؟ ، وَمن أحوالها المحق، وَهُوَ أَن تغيب من الْأكل وَالشرب مُدَّة لَا تغيب فِيهَا عَادَة لميل نَفسهَا إِلَى جَانب الْعقل وامتلاء الْقلب بِنور الله تَعَالَى، وَأجل من هَذَا وَأتم أَن ينزل نور الله إِلَى النَّفس، فَيقوم مقَام الْأكل وَالشرب، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إِنِّي لست كهيئتكم إِنِّي أَبيت عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني ".
وَاعْلَم أَن الْقلب متوسط بَين الْعقل وَالنَّفس، فقد يتَسَامَح، وينسب جَمِيع المقامات وأكثرها إِلَيْهِ، وَقد ورد على هَذَا الِاسْتِعْمَال آيَات وَأَحَادِيث كَثِيرَة، فَلَا تغفل عَن هَذِه النُّكْتَة.
وَاعْلَم أَن مدافعة نور الْإِيمَان لكل نوع من دواعي النَّفس البهيمية وَالْقلب السبعي يُسمى باسم، وَقد نوه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باسم كل ذَلِك وَوَصفه، فَإِذا حصل لِلْعَقْلِ ملكة فِي انقداح خواطر الْحق مِنْهُ، وللنفس ملكة فِي قبُول تِلْكَ الخواطر كَانَ ذَلِك مقَاما، فملكة مدافعة دَاعِيَة الْجزع تسمى صبرا على الْمُصِيبَة، وَهَذَا مستقره الْقلب. وملكة مدافعة الدعة الْفَرَاغ تسمى