وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
" مَا حق امْرِئ مُسلم لَهُ شَيْء يُوصي فِيهِ يبيت لَيْلًا إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده ". أَقُول: اسْتحبَّ تَعْجِيل الْوَصِيَّة احْتِرَازًا من أَن يهجمه الْمَوْت، أَو يحدث حَادث بَغْتَة، فتفوته الْمصلحَة الَّتِي يجب إِقَامَتهَا عِنْده، فيتحسر، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أَيّمَا رجل أعمر عمري " الحَدِيث. أَقُول: كَانَ فِي زمَان النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مناقشات لَا تكَاد تَنْقَطِع، فَكَانَ قطعهَا إِحْدَى الْمصَالح الَّتِي بعث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا كالربا والثارات وَغَيرهَا، وَكَانَ قوم أعمروا لقوم، ثمَّ انقرض هَؤُلَاءِ
وَهَؤُلَاء، فجَاء الْقرن الآخر، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِم الْحَال، فتخاصموا، فَبين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه إِن كَانَ نَص الْوَاجِب هِيَ لَك ولعقبك فَهِيَ هبة؛ لِأَنَّهُ بَين الْأَمر بِمَا يكون من خَواص الْهِبَة الْخَالِصَة، وَإِن قَالَ: هِيَ لَك مَا عِشْت فَهِيَ إِعَارَة إِلَى مُدَّة لمُدَّة حَيَاته؛ لِأَنَّهُ قَيده بِقَيْد يُنَافِي الْهِبَة.
وَمن التَّبَرُّعَات الْوَقْف وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يعرفونه، فاستنبطه النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمصَالح لَا تُوجد فِي سَائِر الصَّدقَات، فَإِن الْإِنْسَان رُبمَا يصرف فِي سَبِيل الله مَالا كثيرا، ثمَّ يفنى، فَيحْتَاج أُولَئِكَ الْفُقَرَاء تَارَة أُخْرَى، وَيَجِيء أَقوام آخَرُونَ من الْفُقَرَاء، فيبقون محرومين، فَلَا أحسن وَلَا أَنْفَع للعامة من أَن يكون شَيْء حبسا للْفُقَرَاء وَأَبْنَاء السَّبِيل تصرف عَلَيْهِم منافعة، وَيبقى أَصله على ملك الْوَاقِف، وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رَضِي الله عَنهُ:
" إِن شِئْت حبست أَصْلهَا؛ وتصدقت بهَا " فَتصدق بهَا عمر أَنه لَا يُبَاع أَصْلهَا، وَلَا يُوهب، وَلَا يُورث، وَتصدق بهَا فِي الْفُقَرَاء وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرّقاب، وَفِي سَبِيل الله، وَابْن السَّبِيل، والضعيف، لَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيطْعم غير مُتَمَوّل.
أما المعاونة فَهِيَ أَنْوَاع أَيْضا: مِنْهَا الْمُضَاربَة، وَهِي أَن يكون المَال لإِنْسَان، وَالْعَمَل فِي التِّجَارَة من الآخر ليَكُون الرِّبْح بَينهَا على مَا يبينانه.
والمفاوضة أَن يعْقد رجلَانِ مَا لَهما سَوَاء الشّركَة فِي جَمِيع مَا يشتريانه ويبيعانه، وَالرِّبْح بَينهمَا، وكل وَاحِد كَفِيل الآخر ووكيله.
والعنان أَن يعقدا الشّركَة فِي مَال معِين كَذَلِك، وَيكون كل وَاحِد وَكيلا للْآخر فِيهِ وَلَا يكون كَفِيلا يُطَالب بِمَا على الآخر.
وَشركَة الصَّنَائِع كخياطين أَو صباغين اشْتَركَا على أَن يتَقَبَّل كل وَاحِد، وَيكون الْكسْب بَينهمَا.