بَينته عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَفِي ذَلِك مصلحَة وَهِي أَن النِّكَاح والسفاح لما اتفقَا فِي قَضَاء الشَّهْوَة ورضا الرجل وَالْمَرْأَة وَجب أَن يُؤمر بِشَيْء يتَحَقَّق بِهِ الْفرق بَينهمَا بادى الرَّأْي بِحَيْثُ لَا يبْقى لأحد فِيهِ كَلَام وَلَا خَفَاء، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد رخص فِي الْمُتْعَة أَيَّامًا، ثمَّ نهى عَنْهَا، أما الترخيص أَولا فلمكان حَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ كَمَا ذكره ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِيمَن يقدم بَلْدَة لَيْسَ بهَا أَهله، وَأَشَارَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهَا لم تكن يَوْمئِذٍ استئجارا على مُجَرّد الْبضْع، بل كَانَ ذَلِك مغمورا فِي ضمن حاجات من بَاب تَدْبِير الْمنزل، كَيفَ والاستئجار على مُجَرّد الْبضْع انسلاخ عَن الطبيعة الإنسانية، ووقاحة يمجها الْبَاطِن السَّلِيم وَأما النَّهْي عَنْهَا فلارتفاع تِلْكَ الْحَاجة فِي غَالب الْأَوْقَات، وَأَيْضًا فَفِي جَرَيَان الرَّسْم بِهِ اخْتِلَاط الْأَنْسَاب لِأَنَّهَا عِنْد انْقِضَاء تِلْكَ الْمدَّة تخرج من حيزه، وَيكون الْأَمر بِيَدِهَا، فَلَا يدْرِي مَاذَا تصنع، وَضبط الْعدة فِي النِّكَاح الصَّحِيح الَّذِي بِنَاؤُه على التأييد فِي غَايَة الْعسر فَمَا ظَنك فِي بِالْمُتْعَةِ وإهمال النِّكَاح الصَّحِيح الْمُعْتَبر فِي الشَّرْع؟ فان أَكثر الراغبين فِي النِّكَاح إِنَّمَا غَالب داعيتهم قَضَاء
شَهْوَة الْفرج وَأَيْضًا فان من الْأَمر الَّذِي يتَمَيَّز بِهِ النِّكَاح من السفاح التوطين على المعاونة الدائمة وَإِن كَانَ الأَصْل فِيهِ قطع الْمُنَازعَة فِيهَا على أعين النَّاس.
وَكَانُوا لَا يناكحون إِلَّا بِصدق لأمور بعثتهم على ذَلِك، وَكَانَ فِيهِ مصَالح مِنْهَا أَن النِّكَاح لَا تتمّ فَائِدَته إِلَّا بِأَن يوطن كل وَاحِد نَفسه على المعاونة الدائمة، ويتحقق ذَلِك من جَانب الْمَرْأَة بِزَوَال أمرهَا من يَدهَا، وَلَا جَائِز أَن يشرع زَوَال أمره أَيْضا من يَده وَإِلَّا انسد بَاب الطَّلَاق، وَكَانَ أَسِيرًا فِي يَدهَا كَمَا أَنَّهَا عانية بِيَدِهِ وَكَانَ الأَصْل أَن يَكُونُوا قوامين على النِّسَاء، وَلَا جَائِز أَن يَجْعَل أَمرهمَا إِلَى الْقَضَاء. فان مُرَاجعَة الْقَضِيَّة إِلَيْهِم فِيهَا حرج وهم لَا يعْرفُونَ مَا يعرف هُوَ من خَاصَّة أمره، فَتعين أَن يكون بَين عَيْنَيْهِ خسارة مَال إِن أَرَادَ فك النّظم لِئَلَّا يجترئ على ذَلِك إِلَّا عِنْد حَاجَة لَا يجد مِنْهَا بدا، فَكَانَ هَذَا نوعا من التوطين.
وَأَيْضًا لَا يظْهر الاهتمام بِالنِّكَاحِ إِلَّا بِمَال يكون عوض الْبضْع، فَإِن النَّاس لما تشاحوا بالأموال شحا لم يتشاحوا بِهِ فِي غَيرهَا كَانَ الاهتمام لَا يتم إِلَّا ببذلها، وبالاهتمام